"من يعرفُ بلاده كيف له ألا يحبها؟ ومن يحبها كيف له ألا يدافع عنها؟"، من هنا ولدت فكرة مبادرة "تجوال سفر" الهادفة لتعزيز علاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه، ولمحاربة التزوير الإسرائيلي للتاريخ الفلسطيني.
وتفرض سلطات الاحتلال سيطرتها على الجغرافية الفلسطينية في الضفة الغربية وخاصة في مناطق (ج)، بالتوازي مع سياسات الترحيل ومصادرة الأراضي الهادفة لترحيل السكان، وتزوير مسميات الأماكن الفلسطينية التاريخية ورموز التنوع الحيوي الفلسطيني.
"تجوال سفر" مبادرة فلسطينية أطلقها شبان متطوعون، تتضمن تنظيم رحلات وجولات إلى مدن وقرى الضفة الغربية والقدس المحتلتين من أجل زرع الثقافة والمعرفة في عقول الفلسطينيين حول أراضيهم، والتوقف عند المناطق التي حدثت فيها المعارك والبطولات التي سطرها الفلسطينيون بدمائهم على مر التاريخ المعاصر، والحديث عنها بشكل مستفيض لتعزيز القيم الوطنية.
"تجوّل في الأرض تمتلكها"
الفلسطيني حمزة أسامة العقرباوي (34 عاماً) من قرية عقربا جنوب شرق نابلس، يعمل حكواتيا، وهو مهتم بجمع التراث الفلسطيني وتوثيقه، فهو أحد مؤسسي هذه المبادرة التي انطلقت عام 2011 تطوّعيا بمشاركة 13 شاباً فلسطينياً يمتلكون طموحاً بتعزيز تمسك الفلسطينيين بأرضهم.
يقول العقرباوي لصحيفة "فلسطين": "المعرفة تولد الحب وتجعل الإنسان يستعذب التضحية في سبيل سلامة محبوبه، وحين يعرف الفلسطيني قيمة وطنه يحبه ويدافع عنه بماله ودمه، ومن هنا جاءت فكرتنا".
تتشكل المبادرة من 3 فرق أساسية، فريق نابلس والشمال، وفريق رام الله والقدس والوسط، وفريق الخليل والجنوب، وتنظم جولة أو جولتين خلال الشهر في الأماكن التاريخية والمشهورة في الضفة الغربية، ويشارك في كل جولة حوالي 100 شخص من كل محافظات الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وحتى من الأراضي المحتلة عام 1948، وأحياناً من فلسطينيي الشتات، وأحياناً أخرى تشارك وفود عربية وأجنبية في هذه الجولات.
وأشار العقرباوي إلى أن المبادرة تحمل شعار "تجوّل في الأرض تمتلكها"، من خلال العلم والمعرفة بالأرض وقصصها وتاريخها، ونضالات الفدائيين الفلسطينيين فيها، مؤكدا أن ذلك كله من شأنه تمتين علاقة الإنسان بالأرض، ما يجعله مستميتا في الدفاع عنها.
تعزيز الصمود
وأوضح أن الفريق يحاول تعريف الشباب المتجولين بالأماكن التاريخية الفلسطينية، من خلال السرد التاريخي، والاحتكاك المباشر مع الأهالي في تلك الأماكن.
ويحظر خلال هذه الجولات، اصطحاب المتجولين أي منتجات إسرائيلية معهم، وكذلك يُمنع الحديث سوى باللغة العربية.
وأضاف العقرباوي: "نحن في معركة مستمرة مع الاحتلال ومستوطنيه الذين يطلقون مئات المبادرات لتعريف المستوطنين بتاريخ مزور عن أرضنا المحتلة في محاولة لتشويه الحقائق التاريخية".
وأشار إلى أن مبادرتهم هي مبادرة شبابية تطوعية، انطلقت في ظل عدم اهتمام الجهات الرسمية الفلسطينية بإطلاق أي مبادرات مثيلة لتعريف المواطنين بأرضهم وتعزيز صمودهم وبقائهم فيها.
وأكد العقرباوي أن فريق المبادرة يمارس شكلا من أشكال المقاومة غير المباشرة، في مواجهة المستوطنين والمستوطنات، إذ إن طبيعة مناطق الضفة الغربية وشوارعها تضع الفلسطينيين في تماس مباشر مع المستوطنين.
وتابع: "نذهب إلى أماكن وجود الفلسطينيين في المناطق المهددة بالمصادرة، وكذلك إلى المزارعين والفلاحين لمساعدتهم في حرث أراضيهم وزراعتها، وتعزيز صمودهم من خلال النشاط التطوعي، فضلاً عن زيارة أهالي الشهداء والجرحى والأسرى".
ونبه إلى أن هذه الفعاليات التي تتضمنها المبادرة تهدف إلى تعزيز قيم البطولة التي هي نتاج طبيعي لتضحيات الشعب الفلسطيني.
وشدد العقرباوي على ضرورة التفرقة بين المقدس بالمنظور الوطني والمقدس بمنظور العمالة مع الاحتلال (في إشارة إلى التنسيق الأمني)، حيث إنهم –في المبادرة- يسعون جاهدين لتسليط الضوء على التعريف بالمقدسات الوطنية باعتبار ذلك يحمي الأراضي من التغول الاستيطاني.
وردد مقولة الكاتب الفلسطيني الراحل سليمان ناطور (تأكلنا الضباع إذا فقدنا الذاكرة)، في تشبيه منه للاحتلالَ بحيوان مفترس (الضبع)، وقال: "نحن الفلسطينيين الفريسة، وما يُسَهِّل على الاحتلال افتراسنا فقداننا الذاكرة المنيعة المرتبطة بالأرض والمقدسات".
وأسِف على بعض الفلسطينيين المحسوبين على الجهات الرسمية، الذين باتوا لا يفرقون بين المقدس الوطني والمقدس من منظور التنسيق مع الاحتلال، وقال: "هذه اللحظة تسهل على الاحتلال ابتلاع أرضنا".
وأبرز المشاكل التي تواجه الفريق أن الاحتلال يمنعهم الوصول إلى عشرات المواقع، وتعرضهم لاعتداءات المستوطنين وقنابل الغاز، واحتجاز الباصات، عدا عن حالات الاعتقال لبعض المشاركين.