ما من شك أن ما جرى في غزة من تصعيد إسرائيلي عنيف وممنهج، وعدم صدور أي مواقف عربية تلجم هذا العدوان، أجبر أهل القطاع على التساؤل: أين الأمتان العربية والإسلامية من نصرتنا والدفاع عنا؟
تساءل نشطاء عبر "تويتر"، عن ردود الفعل التي ستصدر عن المسؤولين في الدول العربية، وكيف سيتعاملون مع الاحتلال عقب هذه التصعيدات المتلاحقة؟ لكن المفاجئ أن نداءات لنشطاء عرب من بلدان عدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بالوقوف مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 12 عامًا انطلقت وتفاعلت بشكل كبير دون أن يمنع ذلك أصواتاً يمكن وصفها بالنشاز غردت خارج السرب وصدمت التيار العام والضمير العربي والإنساني.
وعلى الرغم من التفاعل الكبير الذي أبداه العديد من النشطاء على "تويتر" و"فيسبوك"، الذي ندد بشدة بعمليات الاحتلال غير المشروعة، فإن هناك مَن دافع عن (إسرائيل)، وطالب باستهداف حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لتنقسم المواقف بين مؤيد ومناهض.
كان من اللافت دعوة أحد النشطاء تحديداً "الخليجيين" للاحتلال قائلًا: "اللهم سدّد رميهم على مواقع حماس الإرهابية"، ليتماشى مع دعاء الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي الذي قال في تغريده له: "اللهم سدّد الرمي يا رب".
في السياق ذاته، تساءل نشطاء عبر "تويتر"، عن ردود الفعل التي ستصدر عن المسؤولين في الدول العربية، وكيف سيتعاملون مع الاحتلال عقب هذه التصعيدات المتلاحقة؟ وتوقع البعض أن ردود البعض لن تخرج عن دائرة البيانات والشجب والإدانة، وقال آخرون إن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي سيستمرّ وكأن شيئًا لم يكن.
الحكومة الإسرائيلية وكالعادة تتصرف بوصفها مجرمًا اعتاد الهروب من العقاب بسبب النفاق الذي يمارسه على الصعيد الدولي والتنكر للقوانين الدولية. فالاعتداءات الإجرامية الأخيرة بما في ذلك قصف بيوت المدنيين ومؤسسات إعلامية مدنية كقناة وإذاعة الأقصى، بعد التسلل بقوات خاصة متنكرة بملابس نساء مدنية، تمثل جرائم جديدة لم تكن لتحدث لو قامت محكمة الجنايات الدولية بواجبها في محاسبة (إسرائيل) على جرائم الحرب التي ارتكبت عام 2014، ولو لم تواصل الإدارة الأمريكية تشجيعها ودعمها المطلق للمعتدين، وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني.
واقع الحال أن من حق الشعب الفلسطيني وقواه مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية وصدها بكل الوسائل، فالمقاومة حق مشروع في القانون الدولي لكل الشعوب التي تدافع عن نفسها وعن أرضها، وتكافح لتحقيق حريتها من الاحتلال، والحكومة الإسرائيلية تواجه الفشل تلو الآخر وتحاول التغطية على ذلك بهدر دماء الفلسطينيين.
نجاح المقاومة الفلسطينية في تحقيق معادلة جديدة من الردع والقوة بمواجهة الاحتلال، ووصول صواريخها التي تطلقها من غزة لمناطق حساسة داخل العمق الإسرائيلي، أسفرت عن قتل عدد من المستوطنين، إضافة لإغلاق المدارس ونشر الرعب في الشوارع، وأضحت هناك دعوات إسرائيلية أخرى تستغل الوضع العربي الهزيل، وتسعى لصب الزيت على النار وإشعال حرب رابعة على غزة.
ولعل من أبرز نتائج الردع الغزّيّ لجيش الاحتلال استقالة وزير الحرب ليبرمان الذي لطالما كان وزيراً مثيراً للجدل، بتصريحات هدد فيها، في الماضي، بتدمير السد العالي في مصر، وبإعدام معتقلين فلسطينيين، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وصولاً إلى تحريضه على شن حرب على غزة، عدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير ضرورية.
قدّم ليبرمان، الذي يتزعم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف، استقالته من منصب وزير الجيش، احتجاجاً على التوصل لوقف إطلاق نار مع الفصائل الفلسطينية بغزة. القارئ لسيرة حياة ليبرمان يعلم كيف بدأ حياته حارساً في ملهى ليلي بـ(إسرائيل)، ثم خدم في جيش الاحتلال، وحصل على الشهادة الجامعية الأولى في العلاقات الدولية والعلوم السياسية من الجامعة العبرية بالقدس، وشغل منصب المدير العام لحزب الليكود في السنوات من 1993 إلى 1996، وتولى منصب المدير العام لديوان رئاسة الوزراء في عامي 1996-1997. وفي عام 1999، أسس حزب "إسرائيل بيتنا" وترأسه، وهو العام ذاته الذي انتُخب فيه عضواً بالكنيست الإسرائيلي لأول مرة.
وفي السنوات الأخيرة، أصر ليبرمان على تمرير قانون في الكنيست يسمح بإعدام معتقلين فلسطينيين مدانين بقتل إسرائيليين، رغم معارضة العديد من المستويات السياسية والأمنية والقانونية في (إسرائيل). وفي الأشهر الماضية، أصر ليبرمان على وجوب توجيه ضربة عسكرية لقطاع غزة، باعتبارها طريقاً للتهدئة، رغم معارضة الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية.
يبدو أن المقاومة الفلسطينية وسلاح الردع بالقوة وتبادل القصف بالقصف قد أطاح بأبرز صقور الحكومة الإسرائيلية الحالية، ويبدو أن حكومة نتنياهو لن يكتب لها الاستمرار بعد تهديد ليبرمان بالتوجه إلى انتخابات عامة للكنيست والانسحاب من الحكومة، كل ذلك يضعنا أمام أسئلة تتعلق بمدى "خنوع" بعض الأنظمة العربية وتخاذلها عن نصرة غزة وأهلها في أحلك الظروف، والوقوف موقف المتفرج الذي ربما قد يسر لو استيقظ يوماً فوجد غزة قد محيت على بكرة أبيها، كما حلم بذلك قادة الاحتلال في السابق، فخابت أحلامهم.. وخابوا من حالمين!