الأيام القليلة الفائتة أطلعتنا على أخبار زيارة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى مسقط برفقة زوجته، الذي حظي باستقبال كبير من سلطان سلطنة عمان قابوس، في مظهر يدل خطورة ما يجري في دول الخليج التي انتقلت من مرحلة الزيارات السرية والمفاوضات من تحت الطاولة إلى الزيارات العلنية والتطبيع الصريح، ونبذ القضية الفلسطينية وراء الظهور، ولقد سبق زيارة نتنياهو إلى مسقط، رفرفة العلم الصهيوني في سماء الدوحة من جراء مشاركة رياضية إسرائيلية في بطولة تقام على أراضي قطر.
وفي اليومين السابقين تجولت وزيرة الرياضة الصهيونية في شوارع أبوظبي، والتقت بالعديد من المسؤولين الإماراتيين، ليتضح لنا حجم الكارثة التي تحيط بالقضية الفلسطينية في هذه الأوقات الصعبة، ومع وجود الحديث عن صفقة القرن الأمريكية، ومحاولة إنهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد، وإخفائها عن الساحة العالمية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، لماذا التحول الكبير في موقف دول الخليج اتجاه الكيان الصهيوني؟ ولماذا الانتقال بهذا الوقت من سرية العلاقات إلى علانيتها؟ ولماذا الركض المحموم نحو التطبيع مع الاحتلال الصهيوني؟
وأرى أن هناك العديد من الأمور التي أسهمت في التحول الخليجي نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأول هذه الأشياء الانقسام الفلسطيني الحاد الذي مزق الجسد الفلسطيني ودمر البيت الفلسطيني على رؤوس ساكنيه، وجعلنا أضحوكة للعالم كله، وأضعف موقفنا أمام العالم العربي والمجتمع الدولي، وساهم موقف السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس في سرعة التحول الخليجي نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، فالسلطة تنسق ليل نهار مع الاحتلال، ويلتقي رئيسها بقيادات الاحتلال في كل وقت، ويعلن محافظته على عملية السلام بالرغم من الانتكاسات الهائلة التي منيت بها العملية، وخاصة بعد إعلان ترامب للقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ولكن عباس ما زال مصرًّا على عملية السلام، وأنها المخرج الوحيد للحصول على دولة فلسطينية، فما كان من دول الخليج إلا أن تسارع في التطبيع مع الكيان الصهيوني، فكيف لا تطبع وصاحب البيت والقضية يطبع ليل نهار ويحافظ على التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني بالرغم الصفعات التي تلقاها من الاحتلال وما زال يتلقاها؟
والأمر الأكثر أهمية الذي جعل دول الخليج العربي تركض نحو التطبيع، إيران التي أضحت رعبها وبعبعها المخيف وكابوسها المريع، فبدأ منطق عدو عدوي صديقي في الظهور بقوة بين النخب الحاكمة بالخليج، وتسارعت خطواتهم نحو الكيان الصهيوني رغبة في الدعم الأمريكي الإسرائيلي ورهبة من التغول الإيراني، الذي ازاد بعد ثورات الربيع العربي، وأضحى يهدد العواصم الخليجية والعربية.
وعلى أثر النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، تبلور حلف عربي إسرائيلي جديد بقيادة السعودية، ودعم الإمارات والبحرين وبمشاركة مصر لمواجهة المشروع الإيراني المخيف الذي زعزع استقرار عروش حكام الخليج، وخاصة بعد التدخل الناجح في سوريا لصالح بشار الأسد، وسيطرت الحوثيين على اليمن، والنفوذ الهائل لإيران في العراق، فما كان من حكامها إلى اللجوء للكيان الصهيوني، على أساس العداوة الشديدة بين إسرائيل وإيران.
والسؤال المطروح الآن على النخب والقيادات الفلسطينية، ماذا بعد التطبيع الخليجي الإسرائيلي؟ كيف يمكن مواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية؟ ما البديل أمام القيادات الفلسطينية بعد تخلي الكثير من الحكومات العربية لموقفها الداعم للقضية الفلسطينية والاتجاه نحو التطبيع؟ هل هناك استراتيجية فلسطينية واضحة لمواجهة التقلبات والتحولات الخطيرة في المنطقة؟ إلى متى سيبقى الانقسام ينخر في أساسات البيت الفلسطيني؟
وأتمنى من قياداتنا الفلسطينية أن يكون لديها رؤية لما هو آت وكيفية مواجهته، بالرغم من شكي في ذلك أمام ما أراه من وضع مزرٍ وتخبط على كل المستويات، وعدم تحمل لمسؤولية اللحظة التاريخية والفارقة التي تعيشها القضية الفلسطينية في الوقت الحالي.