فلسطين أون لاين

​الخليل في مواجهة عاصفة التهويد

يؤكّد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي الكثيف في مدينة الخليل على استمرار سياسات إفراغها من أهلها العرب، والسعي إلى تهويدها، فالمدينة الفلسطينية في الضفة الغربية لا تزال الهدف الثاني للاستيطان بعد القدس، كما أن أول عمل استيطاني تم في الضفة كان إقامة نواةٍ استيطانيةٍ في كفار عصيون، الموقع الإستراتيجي على مشارف الخليل. ويمكن الجزم بأن المخططات الإسرائيلية إزاء الحرم الإبراهيمي ليست أقلّ خطورة منها لتهويد الأقصى المبارك. وباتت تُحدق بالحرم مخاطر كثيرة، في مقدمتها محاولات (إسرائيل) تحويله إلى كنيسٍ يهوديٍّ في السنوات القليلة المقبلة. ولهذا أعلنت أخيراً عن مخطط استيطاني جديد يستهدف قلب مدينة الخليل، بغرض ربط مستوطنات مقامة على أراضي المدينة بعضها ببعض، بإقامة بؤر استيطانية جديدة، جديدها تمويل حكومة الاحتلال أخيراً إقامة إحداها في شارع الشهداء في البلدة القديمة، إذ تحاول هذه الحكومة استغلال فترة رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة لتمرير سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وشرعنتها، وخصوصاً في مدينة الخليل التي يتم استهدافها كما القدس، لا سيما وأن تهويدها قديم.

والغرض من البؤرة الاستيطانية الجديدة إنشاء حاجز عسكري جديد للتنكيل بالفلسطينيين، وزيادة معاناتهم، بغية طردهم في النهاية، إذ تقع في شارع الشهداء وتتبع لبلدية الخليل. وكانت سلطات الاحتلال قد استولت على الموقع الذي كانت تستخدمه البلدية مرآباً للسيارات، وحالياً يستخدم معسكراً لجيش الاحتلال، ويستوطنه مستوطنون في بيوت متنقلة (كرافانات). وقد أعلن وزير جيش الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، عن البدء في إقامة 31 وحدة استيطانية في قلب شارع الشهداء، وأقرّت الإدارة المدنية للاحتلال هذا المشروع الاستيطاني الضخم، وصادقت عليه حكومة الاحتلال، وتمّت الموافقة على تمويل المستوطنة الجديدة بمبلغ أولي لبناء الوحدات الاستيطانية.

وفي خطوةٍ لها خطورتها، كانت (إسرائيل) قبل أشهر، وبأمر من ليبرمان، قد أقامت للجيب الاستيطاني وسط مدينة الخليل سلطة إدارة شؤونه البلدية، في إجراء تهويدي ضد أهالي المدينة، وذلك بغرض تعزيز سلطات المستوطنين الذين كانوا يسيّرون شؤونهم اليومية، عبر مجلس يمثل إدارة محلية، ولم تكن له صفة "قانونية". وتبعاً لذلك، تم تشكيل مجلسٍ يمثّل سكان الحي اليهودي الاستيطاني في الخليل، ويوفّر، في الوقت نفسه، خدماتٍ بلديةً لهم في مجالات مختلفة. وقد سوغت (إسرائيل) فعلتها هذه بأنها ضرورية لتقوية المجتمع اليهودي في المدينة، وغاية في الأهمية لمواصلة الاستيطان في الضفة الغربية وتطويره، على الرغم من وجود ترتيبات فلسطينية إسرائيلية في عام 1997 قسمت الخليل إلى قسمين: الأول وضع 80% من المدينة تحت المسؤولية الكاملة للسلطة الفلسطينية، والثاني وضع 20% تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية والمدنية الفلسطينية، وبقيت المدينة بأكملها منذ ذلك الحين تحت مسؤولية بلدية الخليل الفلسطينية (سكانها نحو 260 ألف فلسطيني مقابل 800 مستوطن يهودي).

وبغرض تهويد الخليل وتهجير أهلها، لم تتوقّف الاعتداءات عليها منذ احتلالها. ويلحظ المتابع أن ثمة إجماعاً بين الأحزاب الإسرائيلية على قرار إنشاء إدارة لتسيير شؤون المستوطنين في المدينة، وتنشيط الاستيطان، ما يفسّر دعم حكومة نتنياهو العملي لتركيز النشاط الاستيطاني في عمق الضفة الغربية، الأمر الذي يعد بمثابة التنفيذ الفعلي لمشروع ضم المناطق الفلسطينية إلى (إسرائيل)، من خلال الترسيم الفعلي للمستوطنات غير القانونية أصلاً وشرعنتها، والاعتراف بها، ومنحها السيادة في الوقت نفسه. ومعلوم أن إقامة المستوطنات مناقضة كل المبادئ والأعراف الدولية، وميثاق الأمم المتحدة الذي يفصِّل سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال، وجوهره يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة، وهو ما أعادت التأكيد عليه قرارات عديدة للشرعية الدولية، سواء قرارات مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تُنكر أي صفة قانونية للاستيطان، أو الضم، وتطالب بإلغائه، وتفكيك المستوطنات باعتبارها معالم احتلالية وليس تجميدها، بما في ذلك الاستيطان بالقدس ومدينة الخليل. وقد عدت القرارات الأممية بناء المستوطنات ينتهك حقوق الشعوب المحتلة، المنصوص عليها في القانون الدولي، وفي مقدمتها حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، حق المساواة، حق الملكية، الحق في مستوى لائق للحياة، وحق حرية التنقل.

ما تقوم به (إسرائيل) من بناء مزيد من المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة يعد تعدّياً على حقوق الشعب العربي وأراضيه، وانتهاكاً للقوانين الدولية، وهذا ينطبق على الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وبطبيعة الحال، يعد قرار بناء بؤر استيطانية أخيراً في مدينة الخليل، وقبل ذلك إنشاء مجلس لتسيير أمور المستوطنين اليهود في المدينة غير شرعي، ويخالف القوانين والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وخصوصاً قرار مجلس الأمن رقم 2334.