غسان كنفاني، أحد أبرز أعلام الأدب والثورة الفلسطينية، عاش النكبة وهو في سن الطفولة، وعايش معاناتها بكل وقائعها، فرسخ فكرة المقاومة في أدبه، وواكب حياة الفلسطينيين وكتب عن مآسيهم.
كانت كتابات "كنفاني" أشبه برصاصات أطلقها على الاحتلال الإسرائيلي فأصابته في مقتل، ما دفع الأخير بالإيعاز لجهاز "الموساد" باغتيال كنفاني وهو بعمر 36 عامًا، وفق طلال عوكل، أحد معاصريه.
ذكريات النكبة
ولد كنفاني في 9 إبريل/ نيسان 1936 في مدينة عكا بالداخل الفلسطيني المحتل، لعائلة متوسطة الحال، وكان والده محاميًا، شهد وهو طفل نكبة 1948، وهرب على إثرها مع عائلته سيرًا على الأقدام إلى المخيمات المؤقتة في لبنان، ومنها انتقل إلى العاصمة السورية دمشق.
التحق بمدرسة "الفرير" في مدينة يافا داخل الأراضي المحتلة عام 1948، حيث تعلم اللغة الإنجليزية وأتقنها، وخالف طموح والده بأن يصبح تاجرًا فاتجه إلى عالم الأدب، ونال إجازة في الأدب- قسم اللغة العربية من جامعة دمشق، وكانت الرسالة التي قدمها بعنوان "العرق والدين في الأدب الصهيوني".
واضطر كنفاني، وفق عوكل -وهو كاتب ومحلل سياسي- للعمل في عدة مجالات بعد انتقاله هو وعائلته إلى دمشق، منها موزع صحف وعامل في مطعم، واشتغل مدرسًا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لمادتي الرسم والرياضة، ثم سافر إلى الكويت عام 1955 وعمل في التدريس، وفي عام 1960 انتقل للعمل في بيروت بصحيفة الحرية التابعة لحركة القوميين العرب.
ويشير عوكل، إلى أن الهجرة ومشاهد النكبة كان لها دور كبير في تشكيل وعي كنفاني، ودفعته باتجاهات تنمية مواهبه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه الممارسة بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
"واهتم كنفاني بالأدب وهو في سن الشباب، وكتب القصة القصيرة في عمر الـ19، وبعد انتقاله إلى بيروت وجد لنفسه مكانًا بين المثقفين والأدباء، وحصل على الجنسية اللبنانية ولمع اسمه في عالم الكتابة، وتمكن خلال فترة قصيرة من تأليف 18 كتابًا بين قصة قصيرة ورواية وعمل مسرحي وبحث" وفق عوكل.
قائد سياسي
ويقول عوكل: "تعددت مواهب كنفاني فكان قائد سياسي، وفنان تشكيلي وأديب وكاتب صحفي"، مشيرًا إلى أنه أول من كشف شعر المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان له تواصل مع حركات التحرر الدولي، وعمل في مجالات عدة كالتدريس والصحافة.
ويضيف: "حرص كنفاني، في كتاباته على نقل معاناة الفلسطينيين في الشتات، وكان يؤكد فيها أن اللجوء في المخيمات ليس حلاً للشعب الفلسطيني"، ففي روايته "موت سرير رقم 12" كتب كيف يتحول الغرباء إلى أرقام بالمنافي، ويعيشون حالة الوحدة دون التفكير في حل جماعي بالعودة، "فهم لم يكونوا يشعرون بالانتماء، والآخرون لم يشعروهم بأنهم عرب".
كما عرف الكاتب الفلسطيني كنفاني بأنه أديب ساخر وناقد للقصة والشعر، وظهر ذلك في مجموعة مقالات صحفية له خرجت بكتاب "فارس فارس"، وقال: "إن كتابة أدب المقاومة لا تعني أن يمتلئ الأدب بالسلاح والشعارات والخطب".
لم يكن كنفاني، أديبًا فقط، بل كان مناضلًا مدافعًا من أجل قضيته فلسطين، وظهر توجهه في مقاومة الاحتلال منذ نعومة أظفاره، ورافقه في كل أعماله الأدبية وحياته الشخصية، بحسب عوكل.
وأضاف "انضم كنفاني لحركة القوميين العرب وكتب في مجلات صدرت في دمشق والكويت، وبعد عام 1969 ازداد نشاطه السياسي فأصبح عضوًا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وساهم في وضع الاستراتيجية السياسية والبيان التأسيسي لها، حيث أكد فيه على أهمية العمل الفدائي والكفاح المسلح".
ولفت إلى أن اغتيال كنفاني كان بسبب دوره الثقافي وكتاباته الأدبية في تعرية الاحتلال وكشف وجهه القبيح عالميًا، مبينًا أن الاحتلال يعتبر الخطر الثقافي لا يقل أهمية عن العمل العسكري.
الاغتيال
واغتيل كنفاني، من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي في 8 يوليو/ تموز 1972، بانفجار سيارة مفخخة في العاصمة اللبنانية بيروت، وبحسب نتائج لجنة التحقيق التي شكلتها الجبهة الشعبية فقد نتج الانفجار عن عبوة ناسفة قدرت زنتها بتسعة كيلوغرامات وضعت تحت مقعد السيارة وانفجرت عند تشغيلها.
رحل كنفاني قبل (46 عامًا)، تاركًا خلفه زوجته الدانماركية التي انضمت إلى قافلة المناضلين من أجل فلسطين، وابنيه فايز وليلى، والعديد من الأعمال الإبداعية التي ترجم بعضها إلى عدة لغات أجنبية.