فلسطين أون لاين

​أكملت عامها الدراسي خفية

عزيزة شغلت مناصب دون شهادات علمية

...
غزة/ هدى الدلو:

عندما تكون الظروف أقوى من أي شيء آخر، وكل شيء معها يسير عكس التيار، فتأتي بها الرياح بما لا تشتهي السفن، خاصة عندما تكون القرارات من السلطات العليا –والدها- أي لا مجال للجدل أو النقاش، كل ما عليها فعله تنفيذ الأمر..

عزيزة سالم أبو عمرة، فتاة بدوية تحكمها العادات والتقاليد، أخرجها والدها من المدرسة في الفصل الأول من العام الدراسي لأول ثانوي، طبعًا هذا القرار لم يرق لها، خاصة أنها كانت مولعة بالدراسة وإكمال تعليمها، وقالت: "قرار والدي ممنوع الجدال فيه، فقررت تنفيذ أوامره ظاهريًا".

والدها كان يعمل عاملًا في الأراضي المحتلة 1948، أي أنه لا يعود إلى البيت إلا في نهاية الأسبوع بسبب إجازة اليهود، فاستثمرت غياب والدها الدائم عن البيت، واتخذت قرارًا مفاده أنها لن تجلس في البيت وستكمل تعليمها خفية، دون علم والدها، مضيفة: "كنتُ أذهب للدوام في المدرسة طيلة أيام الأسبوع عدا يوم السبت، نظرًا لوجود والدي في البيت، واستمريت على هذا الحال طيلة أيام العام".

انتهي العام الدراسي واستلمت شهادتها، ولكنها لم تستطع إعلان الفرح بنتيجتها خوفًا من معرفة والدها أنها أكملت تعليمها دون علمه، فتحاسب حينها حسابًا عسيرا.

ففي صباها كانت من الفتيات الجميلات، وقد كان يدور في خلد والدها تلك السيناريوهات التي نراها في المسلسلات بألا تعود له يومًا بسبب خطفها، فكان ذلك أحد أسباب منعها من الذهاب إلى المدرسة، وتعد عائلتها من العائلات المحافظة جدًا.

وأضافت أبو عمرة: "عقد علي الزواج من ابن عمي، وبعد العقد بأسبوع اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي، وحوكم بالسجن مدة ثمانية شهور، وبعد الإفراج عنه تزوجت دون أي مراسم للزفاف، فانتقلت من باب غرفتي لباب غرفة دار عمي".

وخلال مرحلة اعتقال خطيبها استثمرتها في إكمال دراستها لصف الثاني ثانوي، بذات الطريقة الخفية، ولم تكن تعلم سرها سوى والدتها وزوجة أخيها، اللتان كانتا تحاولان دائمًا إقناعها بالعدول عما تقوم به، خوفًا عليها، وعليهما بأن يلحقهما الأذى، وتابعت حديثها: "ولكن للأسف مرض والدي منعني من تقديم الامتحانات النهائية، فقد عاد من عمله ومكث في البيت ولم أتمكن من الخروج".

وتصف حال والدتها التي كانت تعيش في حالة من الرعب، خوفًا من أن يعلم والدها بأنها كسرت أوامره، فستنتهي حياة والدتها بالطلاق، مشيرة إلى أن فكرة التعليم والدراسة ليست واردة لدى عائلتها، حتى أن إخوتها الأصغر منها لم يصلوا في التعليم للمرحلة الإعدادية.. وتتساءل بحسرة: "إذا هيك الأولاد، فكيف البنت تتعلم؟"

بعد الزواج بدأت تثقل المسئوليات على كاهلها زوجها وبيتها وأبنائها، خاصة أنها تعيش مع عائلة زوجها، وليست مستقلة، وتسرد أنه في يومٍ ما علمت بأن جارتهم لديها جمعية في بيتها وتقيم ورشة بعنوان "الزواج المبكر"، فقررت الذهاب دون علم والد ووالدة زوجها.

وتكمل أبو عمرة: "وأنا بين الجلوس بدأ عقلي ينزف ذكريات أليمة مختلطة مع الأحلام والأمنيات"، فكانت تخاطر بحياتها من أجل العلم والتعلم، وفي عام 2000 قررت التسجيل للالتحاق بالثانوية العامة، ولكن حماتها علمت بالأمر، وأخبرت والدها الذي بدوره منعها.

دورات وندوات

وأضافت: "ولكن استطعت إقناع حماتي بالالتحاق بالدورات في الجمعية المجاورة للبيت بجلب بعض الكابونات الغذائية، وبفضل الله أشعر حاليًا أني من حملة شهادة الدراسات العليا بامتلاكي خبرة وثقافة تعادل الشهادات، والتي حصلتُ عليها بقراءتي الدائمة، والتحاقي بدورات عديدة، وحضوري للمؤتمرات، والندوات، وورش عمل في عدة مؤسسات".

وأشارت أبو عمرة إلى وجودها عضوة في مجالس إدارة بعض المؤسسات، ذلك المكان الذي حلمت به عند حضورها لأول ورشة عمل، وأصبح لديها خبرة في العمل الاجتماعي، وشخصية اعتبارية في المجتمع.

ورغم عدم حصولها على شهادة التوجيهي، إلا أنها حاليًا تشغل منصب مدير تنفيذي لجمعية نبراس، وعضو في التحالف المدني للرقابة على إعمار غزة، وتقف دائمًا لجانب المرأة من أجل انتزاع حقوقها من خلال عملها كمصلحة اجتماعية.

وحتى اللحظة لم تتوقف عن التعليم، فقد تعلمت كتابة المشاريع، وتجنيد الأموال، والتسوق، والاتصال والتواصل، والإدارة والتقييم، والمقابلات للوظائف، كما تعلمت كيفية المتابعة وكتابة التقارير الإدارية للمؤسسات، وتعلمت على برنامج الأصيل للمحاسبة.

وختمت أبو عمرة بقولها: "ليس هناك أجمل من العلم والتعليم، والشهادة للفتاة فهي سلاحها الذي يمكن أن تشهره في وجه أي شخص يعاديها".