كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية قيام (إسرائيل) بشن حرب على غزة وذلك على ضوء ارتفاع وتيرة التهديدات التي يطلقها قادة الاحتلال وزيادة حدة التوتر الأمني بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة واستمرار فعاليات مسيرة العودة وما يرافقها من اشتباكات بين المتظاهرين وجنود الاحتلال.
رغم اختلاف المحللين وتعدد رؤاهم حول احتمالات اندلاعها إلا أحدًا لا ينكر بأنها تتطلب المرور بمراحل وإجراءات معقدة كما يجب أن تُلبي عدة شروط وأن تأخذ بالحسبان عدة اعتبارات.
أما عن شروطها:
أولا: تحديد هدف سياسي واضح يسعى السياسيون لتحقيقه من خلال العمل العسكري بعد فشلهم في تحقيقه بطرق أخرى.
ثانيا: امتلاك القدرة على تحقيق الهدف.
ثالثا: القدرة على التعامل مع ضوابط القوة كالحصول على غطاء سياسي وتأييد محلي للبدء بالحرب والحفاظ عليه خلالها وبعدها, أضف إلى ذلك استخدام القوة بما يتناسب مع الهدف السياسي لتجنب حدوث نتائج عكسية.
رابعا: قدرة الجيش والمجتمع على دفع ثمن الحرب وتحمل تداعياته وخسائره.
خامسا: أن تكون حرب اضطرارية, بما يعني استنفاد كل الوسائل والخيارات لتجنبها.
مراحل اتخاذ القرار:
1- ينعقد المجلس الوزاري المصغر لاتخاذ قرار الحرب أو العملية العسكرية الواسعة بالأغلبية.
2- يُصدر المستوى السياسي تعليماته لقيادة الجيش بإعداد خطة عسكرية لتحقيق الهدف.
3- يقوم الجيش بإعداد خطة عسكرية تتلاءم مع الهدف السياسي بما يعني استخدام القوة بمعايير تتناسب مع الهدف.
4- يعرض الجيش خطته على مجلس الأمن القومي.
5- يعكف مجلس الأمن القومي على دراسة الخطة العسكرية ومعرفة تداعياتها على العلاقات السياسية والنشاطات الاقتصادية وحركة السياحة وقدرة المؤسسات على توفير الخدمات اللازمة وتسيير الحياة العامة خصوصًا فيما يتعلق بعمل أجهزة الطوارئ.
6- يقدم المجلس ملاحظاته وتحفظاته للجيش ويطالبه بتعديل الخطة.
الاعتبارات التي قد تمنع (إسرائيل) من اتخاذ قرار الحرب في هذه المرحلة:
أ- افتقار المستوى السياسي لرؤية توافقية في كيفية التعامل مع غزة وعدم قدرته على تحديد هدف سياسي واضح للحرب, لاسيما وأنه يعترف أن أجنحة المقاومة تمتلك القدرة للوصول إلى العمق الإسرائيلي وجباية ثمن لا يستهان به من الجيش والمجتمع على حد سواء وهو ما لامسه خلال حروبه الثلاث.
ب- اقتناع الغالبية العظمى من السياسيين والمفكرين بأن أقصى ما يمكن تحقيقه من العمل العسكري هو العودة لنقطة البداية والتفاوض على نفس القضايا التي يتم التفاوض عليها حاليا للتوصل إلى تهدئة, بما يعني عدم وجود مبرر لخوض الحرب و دفع ثمنها.
ت- فقدان ثقة المستوى السياسي بقدرة الجيش على تحقيق الأهداف بما يتناسب مع رؤيته وقد تعززت هذه الرؤية بعد التقارير التي أظهرت عدم جاهزيته للحرب وخصوصا في الذراع البري وتدني الروح المعنوية للجنود.
ث- الضبابية التي تحوم حول كيفية انتهاء الحرب ومدتها وقد ترسخت هذه الرؤية بعد الحرب الأخيرة بسبب عدم وجود وسيط فاعل يعمل على إنهائها خلال مدة قصيرة وهو ما يذكرنا بما قاله عدد كبير من المحللين الإسرائيليين حينما اتهموا النظام المصري بالعمل على إطالة مدة الحرب لرغبته في القضاء على حماس.
ج- عدم جاهزية الجبهة الداخلية وتردي أوضاع الملاجئ وخصوصا أجهزة الطوارئ وهو ما أشار إليه ليبرمان عدة مرات خلال الفترة الماضية.
ح- الخشية من اشتعال الضفة وتعجيل اندلاع انتفاضة ثالثة كما حذر من ذلك رئيس هيئة الأركان الذي أشار إلى أنه سيضطر حينها لنشر قوات تفوق عدد القوات التي ستعمل في غزة.
خ- إدراك (إسرائيل) أن انشغالها في غزة سيمنح فرصة لإيران لزيادة نشاطاتها في سوريا ونقلها أسلحة متطورة لحزب الله مما سيزيد من خطورة التهديدات على جبهتها الرئيسية لاسيما وأنها تضع إيران على سلم أولوياتها وتهديداتها. هذه الاعتبارات وغيرها تُقلل من احتمالات قيام (إسرائيل) بشن حرب على غزة لكنها لا تعني عدم قيامها بجولات سريعة في إطار الفعل وردة الفعل المدروسة والمنضبطة على غرار ما حدث خلال الأشهر الماضية, كما أنها تدل على أن الحرب ليست مجرد كلمة عابرة بل لها مدلولات وتداعيات ولا تُشن بناء على توفر رغبات أو امتلاك الإمكانيات فكم من رياح سارت بما لم تشتهي السفن.