فلسطين أون لاين

​يصيب 8-12% من النساء حول العالم

اكتئاب ما بعد الولادة.. يجب علاجه حتى لا تتفاقم آثاره

...
صورة أرشيفية
غزة/ صفاء عاشور:

تعدّ تجربة الولادة تجربة مبهجة لا تنساها المرأة في حياتها، رغم ما تسببه من ألم وجهد بدني ونفسي، فمشاعر الألم تنتهي بمجرد رؤية المرأة لوليدها، ولكن هناك بعض المشاعر والأفكار التي يمكن أن تصيب بعض النساء وتجعلها تشعر باكتئاب.

الطبيب النفسي في عيادة رفح للصحة النفسية في وزارة الصحة، د. فضل عفانة أوضح أن المرأة بعد الولادة تتغير حالتها المزاجية كثيرًا، مما يجعلها تبكي دون أسباب في بعض الأحيان، أو تشعر بالقلق أو الانفعال المفرط.

وقال في حديث لـ"فلسطين": "يجب التفريق بين اكتئاب ما بعد الولادة، وما يُعرف بكدر الأمومة فحدة المشاعر بين الأمرين متغيرة"، لافتاً إلى أن كدر الأمومة تشعر به من 50-70% من النساء، وتشعر به بين اليوم الرابع والعاشر ما بعد الولادة.

وأضاف عفانة: "ومن أعراض كدر الأمومة: التململ وعدم الراحة، والصداع، والبلبلة، والنسيان، والانفعال الزائد، واضطراب في النوم وأفكار سلبية تجاه المولود الجديد"، مبيناً أن هذا الأمر طبيعي، ومن السهل نسبياً التعامل معه، وتعدّ الحالة مؤقتة وعابرة وليست بحاجة لعلاج بل إلى الراحة والدعم من جانب الأسرة والأصدقاء.

واستدرك: "ولكن هناك من 8-12% من النساء يصبن بحالة أكثر صعوبة من مجرد الكدر والسوداوية، وهي الحالة التي تسمي باكتئاب ما بعد الولادة، والتي تتميز بهبوط في الحالة المزاجية، واللامبالاة وعدم الاكتراث، وانعدام المتعة، واضطرابات في الشهية وفي النوم، وفرط الانفعال أو البطء فيه، والتعب وانعدام النشاط، وعدم التقدير الذاتي، وصعوبات في التركيز أو في اتخاذ القرار".

وأفاد عفانة أن من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة صعوبة التعلق بالطفل، والابتعاد عن العائلة والأصدقاء، والافراط في البكاء.

وتابع: "والتعب البالغ أو فقدان الطاقة، والخوف من أن أنك لا تمثلين أماً جيدة، والخزي والشعور بالذنب والعجز، وقد يصل الأمر إلى التفكير بإيذاء النفس أو إلحاق الأذى بالطفل".

وأشار عفانة إلى أنه في الحالات الأكثر حدة تظهر أعراضًا أخرى من الاكتئاب ما بعد الولادة والتي ربما تشخص أنها أعراض كآبة نفسية وهي تشخيص خطأ، لأن اكتئاب ما بعد الولادة له علامات وأعراض مختلفة وقد تكون أكثر شدة وأطول أمداً.

ونبه أن اكتئاب ما بعد الولادة قد تظهر أعراضه في غضون الأسابيع القليلة الأولى بعد الولادة، أو في وقت لاحق بعد مدة تصل إلى ستة أشهر بعد الولادة، ولكنه في النهاية سيؤدي إلى إعاقة قدرة المرأة على رعاية طفلها وممارسة مهامها اليومية.

وبين عفانة أن من أسباب وعوامل خطر اكتئاب ما بعد الولادة الانخفاض لملحوظ في مستويات الهرمونات، وخاصة لدى النساء اللواتي عانين من الاكتئاب في فترات ماضية من حياتهن.

وأردف: "وثمة ظواهر أخرى يمكن عدّها مسببات محتملة للاكتئاب هي: القلق والتوتر، واكتئاب سابق (حصل في الماضي) وتغيرات في الحالة المزاجية في الأسرة"، لافتاً إلى أنه ليس هناك أية علاقة بين اكتئاب ما بعد الولادة والمستوى التعليمي والثقافي، وجنس المولود، والإرضاع، وطريقة الولادة أو كون الحمل كان مقصوداً أم لا.

وحول علاج هذا المرض، قال عفانة إن:" المعالجة الدوائية لحالة اكتئاب ما بعد الولادة يمكن أن تتم بواسطة أدوية الطب النفسي المختلفة، ويختار الدواء وفق مواصفات خاصة تناسب حاجة الأم لإرضاع الطفل".

وأضاف:" وينصح البدء بنصف الجرعة المعتادة ثم زيادتها تدريجيًّا وينبغي الاستمرار في تناول الدواء لمدة 6 أشهر لمنع حصول الاكتئاب من جديد، أما إذا لم يستجب الجسم للعلاج خلال 6 أشهر، فينصح بالتوجه إلى الطبيب النفسي للاستشارة".

وبين عفانة أنه للوقاية من هذا المرض؛ خاصة لمن لديها تاريخ سابق للإصابة بالاكتئاب لا سيما، اكتئاب ما بعد الولادة فيجب إخبار الطبيب بمجرد معرفة المرأة أنها حامل، ويجب على الطبيب الخاص بها متابعة حالتها ومراقبتها عن كثب لملاحظة ظهور أي علامات أو أعراض للاكتئاب.

وأردف: "قد يجعلك الطبيب تُكملين استبيان فحص الاكتئاب خلال حملك أو بعد الولادة، كما يمكن السيطرة في بعض الأحيان على الاكتئاب الخفيف من خلال مجموعات الدعم والاستشارة والعلاجات الأخرى، وفي الحالات الأخرى، قد يُوصى بتناول الأدوية المضادة للاكتئاب حتى خلال الحمل".

وأشار إلى أنه بعد ولادة الطفل قد يوصي الطبيب بالخضوع لفحص الحالة الطبية ما بعد الولادة بحثاً؛ عن علامات وأعراض الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وأنه كلما تم الاكتشاف مبكرًا أمكن بدء العلاج مبكرًا.

وحول إمكانية مساعدة المرأة نفسها لمواجهة هذا المرض، أوضح عفانة أنه بإمكان المرأة القيام ببعض الأعمال المنزلية حتى تتأقلم وتكسر حاجز الوحدة، وتشغل نفسها بأشياء مفيدة لبيتها وطفلها.

وشدد على أهمية أن تتناول الأم المصابة باكتئاب ما بعد الولادة الأكل الصحي، وأن تكثر من تناول الخضروات والفواكه؛ لاحتوائها على الفيتامينات الطبيعية التي من شأنها تغيير المزاج الحاد، وتساعد على الاسترخاء الطبيعي للجسم والعقل.

وأكد عفانة أهمية حصول الأم على قسط كاف من النوم والرحة بعد نوم طفلها، وإن لم تستطع فيمكنها الاستلقاء للراحة ومحاولة ممارسة تمارين الاسترخاء وأفضلها اليوجا، لافتاً إلى أن من الضروري محافظة الأم على تواصلها مع الناس والتحدث مع عائلتها وأصدقائها وتجنب العزلة تماماً.

وبين أنه يمكن للأم المصابة باكتئاب ما بعد الولادة الاستفادة من بعض أنواع العلاج الأخرى مثل علم المساج أو تمارين الأيروبيكس الخفيفة، وممارسة هوايتها المفضلة كالرسم أو سماع الموسيقي وغيرها.