فلسطين أون لاين

​الدغمة.. اشتاق لشقيقيه فارتقى شهيدًا

...
صورة أرشيفية
غزة/ هدى الدلو:

في بيت تصدعت جدرانه من ألم الفراق، والحزن على فقد عمودين منه، باغتهم خبر ارتقاء العمود الثالث شهيدًا، ليخيم على الأجواء حالة من الصدمة، وخاصة قلب أمه المكلومة التي لم تستوعب نبأ استشهاد فلذة كبدها الثالث عبد الله، فقلبها يتقطع ويتفطر ألمًا على فقده ورحيله، وتستصرخه بأن يعود ليرى حالها بعد استشهاده.

الشاب عبد الله برهم الدغمة (25 عامًا)، من بلدة عبسان الجديدة شرق خانيونس، استشهد برصاصة غادرة لقناص من قوات الاحتلال الإسرائيلي، انتقل بها إلى الرفيق الأعلى، خلال مشاركته في الجمعة التاسعة والعشرين "انتفاضة القدس" ضمن مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، والتي أسفرت عن استشهاد سبعة 7 مواطنين، ليرتفع عدد الشهداء منذ انطلاق المسيرات في 30 مارس/ آذار الماضي إلى 204، بالإضافة إلى نحو 22 ألف جريح، وبذلك يكون عبد الله الشهيد الثالث لعائلته.

لم تقوَ تلك الأم على تحمل مشهد الوداع الذي يتكرّر أمام ناظريها للمرة الثالثة على التوالي بعد استشهاد نجليها سليمان وبسام، ليلتحق عبد الله بشقيقيه خلال مشاركته في مسيرات العودة شرق البريج وسط قطاع غزة، وخلال وداعه همست في أذنيه محملة إياه السلام لشقيقيه الشهيدين.

وقد ودعت عائلته نجلها سليمان مهندس ومنفذ عملية "كوسفيم" عام 2002م، وفي عام 2010م نفذ شقيقه بسام عملية استدراج الأغبياء.

القدر ساقه إلى هناك، فخلافًا لعادته لم يذهب إلى مخيم العودة المقام في الشرق من خانيونس، بل توجه مع أصدقائه إلى مخيم العودة شرق البريج وسط القطاع، فعندما وصل إلى هناك لاحظ الحالة الجنونية التي تتملك جنود الاحتلال في تعاملهم مع المتظاهرين السلميين، وإطلاق النار عليهم من مسافة صفر، فأخذته الحمية على رفاقه، واقتحم السياج الأمني في محاولة منه لإنقاذهم، فأطلق الجنود النار عليه ليرتقي شهيدًا.

قال شقيقه عبد الحق (23 عامًا) والتي تربطه علاقة الصداقة إلى جانب علاقة الأخوة: "لم نكن نفترق عن بعضنا، فأغلب المشاوير كنا نقضيها معًا، حتى أن أصدقاءنا مشتركون، كنتُ في بداية المسيرات أذهب للمشاركة، ويبقى هو في البيت، ثم تبادلنا الأدوار لألازم البيت بجوار والدينا، ويشارك في المسيرات بصحبة أصدقائه".

ومع ازدياد حدة ووتيرة المسيرات في المرحلة الأخيرة، كان يصبح ويمسى عبد الحق ناصحًا لشقيقه عبدالله بعدم الذهاب للمشاركة، خوفًا من أن تستهدفه رصاصات الاحتلال التي لا تفرق بين المشاركات السلمية للمطالبة بالحقوق، والمقاومة العسكرية، ولكنه في كل مرة يصر على المشاركة، قائلًا له: "الي كاتبه ربنا بدنا نشوفه، احنا مش أحسن من غيرنا، ولا غيرنا أحسن منا".

لم يبدُ على الشهيد أي ملامح أو علامات، فصلى يوم الجمعة وعاد ليتناول طعام الغذاء بصحبة عائلته، ثم خرج، لاحظ عبد الحق وجود دراجته النارية "الفزبة" في البيت، ليتسلل شعور الاطمئنان لقلبه، واعتقد أنه لم يذهب هذه الجمعة للمسيرات.

اتصل أحد رفاق عبد الحق وحاول تهيئته لخبر استشهاد شقيقه، وقال له: "سمعت أنك مصاب خلال مشاركتك في المسيرات"، فرد عليه: "لم أشارك فأنا موجود في البيت"، فتملكته حالة من الخوف على عبدالله، فاتصل به فكان هاتفه المحمول مغلقًا، فاتصل آخر على شقيقه وأخبره أنه مصاب في مستشفى شهداء الأقصى، فأسرعوا إلى هناك للاطمئنان على حالته، فاتصل عبد الحق على إخوته ليخبروه أن الوضع صعب للغاية، ليفارق بعدها الحياة.

ويتابع حديثه: "خبر استشهاده لم يكن أقل وطأة من الخبران اللذين سبقاه باستشهاد سليمان وبسام، فالصدمة والفاجعة هي ذاتها، ولكنه في الوقت ذاته نال ما يتمنى فكنت أتوقع أن يعود محمولًا على الأكتاف، وكنا قد زرنا قبريْ شقيقينا قبل أسبوع من استشهاد عبدالله والذي عبر لهم عن اشتياقه".

رحل عبدالله وترك وصيته في جعبة أصدقائه بألا يحزنوا وأهله عليه، فقد نال بشهادته منزلة عالية، وسيجتمع بشقيقيه، فالشوق إليهما قد كبل قلبه، فرحل وقد ترك خلفه قلوب تنزف وجع فراقه، وعيون تبكي رحيله.