فلسطين أون لاين

​ملتزمًا بالصيام يوميًّا منذ عام

أبو عرمانة انتزع الخجل و"ثار" حتى استشهد

...
صورة أرشيفية
غزة/ مريم الشوبكي:

مقطع يظهر شابين يجران وعاء به عدد من إطارات الكاوشوك المشتعلة التي أثقلت الوعاء، فلم يتمكنا من جره، حينها ركض "تامر" يهم بمساعدتهما، وما إن بدأ في الجر حتى أتته رصاصة فجرت الدماء من رأسه فسقط بلا حراك.

كان بطل هذه اللقطة هو الشهيد "تامر أبو عرمانة" (22 عامًا) من مدينة رفح والتي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، في الجمعة التاسعة والعشرين أثناء مشاركته في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار التي حملت عنوان جمعة انتفاضة القدس.

صوّام

محمد أخ "تامر" البكر ويكبره بعام، يتحدث عن حياة أخيه قبل أن يطلب الشهادة صريحًا كما نشر على صفحته على فيس بوك "اللهم هجرة إليك وفي سبيلك": "تامر التزم بالصيام يوميًّا منذ عام، ولا يترك فرضًا، ومصحفه بيده على الدوام، وملازم بالبيت، ولا يحب الاختلاط بالناس نهائيا".

ويضيف محمد لـ"فلسطين": "لا يغادر البيت تامر إلا يوم الجمعة قاصدًا الحدود الشرقية لأنه يخجل من وحمة سوداء كبيرة غطت نصف وجهه، وفي هذه الجمعة بالذات ابتلع بعض اللقيمات القليلة، وفجأة قام يدور حولنا ونحن جلوس على مائدة الغداء كأنه يتفحص الوجوه مودعًا إياها".

غارقًا بدمي

قبيل يوم من استشهاده، كتب "بكرا أحلى" على المرآة في غرفة والدته، ودوّن مثلها على دولاب غرفة شقيقاته وأرفقها بعبارة طلب الشهادة، وبعد استشهاده وجدوه مدوّنًا مذكراته اليومية يتحدث فيها عن نيته في الشهادة.

يستذكر محمد حوار تامر مع والدته الجمعة الفائتة حينما تفاجأت ببقع الدماء تغطي بنطاله، لتسأله من أين تلك الدماء؟ فأخبرها أنه حمل شابًا أصيب بجواره فتلطخ بالدماء، لينطق قلب الأم الحمد لله الذي حماك، فلم يعجبه ردها قائلًا: "إن شاء الله الجمعة القادمة سآتيك غارقًا بدمي".

خاله شاهد

"أحمد" أصغر أخوال الشهيد تامر كان من أقرب الناس إليه بعد أمه، للتقارب السني بينهما فهو يكبره بخمسة أعوام فقط، كان شاهدًا على طفولة ابن أخته لأنه تربى معه في البيت نفسه.

تحدث ببعض المواقف التي جمعته بتامر: "آخر ما بحث عنه في محرك البحث جوجل متى يرفع الغشاء عن العين لكي ترى الملائكة، وكان يبحث عن الموت والشهادة، كأنه كان يهيئ نفسه له".

شعر تامر بأنه سيزف عريسًا، حينما طلب من والدته أن تختار له ملابس جديدة فسألها بعد أن لبسها، هل هو جميل لتؤكد والدته ذلك، ليمازحها "أنتِ بتلبسي عريس يما"، ليخرج بعدها من البيت بلمح البصر.

ويشير أحمد إلى أن تامر على غير العادة حصر التقاط الصور مع إخوته وابن أخيه أيضًا، ومن يشاهد الصور يشعر بنظرات الحزن التي كان تعلو وجهه.

والدة تامر التي لم تستطع أن تنبس ببنت شفة حزنًا على استشهاد ساعدها الأيمن، يروي أخوها كيف كان تامر يساعد أمه بالتنظيف وصنع الطعام، وغيرها من شئون البيت لأنه كان ملازمًا لها طوال اليوم لا يغادر.

تفاجأت بجرأته

ويقول: "تعودت على تامر الخجول الذي لا يخالط الناس ومحب الوحدة، تفاجأت وتملكتني الصدمة حينما رأيت مقطع فيديو لحظة استشهاده كيف كان يركض ويساعد الشباب في حمل الكاوشوك، حينما كان أهله يخبرونني بأنه ذاهب للحدود، أتخيل أنه سيقف بعيدًا منزويًا يكتفي بمشاهدة الناس، لم أتخيله بهذا الحماس والعنفوان".

كان تامر مولعًا بالأطفال واللعب معهم وهم كذلك، قبل ذهابه إلى الحدود كان يلاعب ابنة خاله الصغرى، والتقط آخر صورة له مع ابن أخيه "محمد" لتبقى ذكرى له حينما يكتمل وعيه وليتذكر كلما رآها مقدار حبه له.

لم تكن والدة تامر في البيت يومها، حيث ذهبت لزيارة أقارب لها في المغازي، ليأتي اتصال على هاتف أحد أبناء هذه العائلة ليخبروه باستشهاد فلذة كبدها، ولكن تملكته الصدمة فلم يقوى على إخبارها، ولكن قلبها كان يهاتفها بأن مصابًا جللًا سيلحق بتامر لتفاجئه بقولها: "تامر استشهد أخبرني"، حتى والده تملكه الصمت منذ استشهاد ابنه، وكأنه ينتظر من يوقظه من النوم؛ ليخبره بأنه كابوس وقد ولى.