فلسطين أون لاين

​التعامل معها "تبلد" أو "تفريغ"؟

كيف تمنع مشاهد الأشلاء والدماء من تدمير نفسيتك؟

...
صورة أرشيفية
غزة/ مريم الشوبكي:

مشاهد الأشلاء والدماء باتت حدثًا يوميًّا في فلسطين، فإجرام الاحتلال الإسرائيلي لا يهدأ، كل يوم يخلف الشهداء والمصابين، وتلقي هذه المشاهد آثارًا نفسية سيئة على المشاهد وذوي الشهداء والمصابين، كيف يمكن أن نجعلها مصدرًا للصمود والصلابة النفسية.

بعضٌ يطلق على من لم تهتز له "شعرة" عند مشاهد الصورة ومقاطع الفيديو القاسية أنه "تبلد"، ولكن في الحقيقة ليس تبلدًا بل أصبح متعودًا على رؤيتها بسبب تكرارها، والسؤال هنا: هل هذا الشخص يمتلك من الصلابة النفسية ما لا يمتلكه غيره، أو أنه نجح في التعامل مع الآثار النفسية بالتفريغ؟

سهولة تداولها

قالت الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة: إن الإنسان بفطرته النقية السليمة متعود على المشاهد الإيجابية، أما مشاهد العنف والقتل والدمار فهي مخالفة لفطرته.

وأضافت السعايدة لـ"فلسطين": "في ظل الظروف الصعبة والأحداث الدامية، ومشاهد الدم والبتر والأشلاء التي بتنا نشاهدها شبهَ يومي، وفي العشر سنوات الأخيرة أصبحت مضاعفة بعد تعاقب ثلاث حروب، التي زادت من حدة الضغوط النفسية التي يتعرض لها المواطن الغزي".

وبينت أن المشاهد القاسية باتت متاحة وتبث عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي زاد من انتشارها امتلاك كثير من الأشخاص للهواتف الذكية، التي ترصد وتصور المشاهد العنيفة والفظة، ما أسهم بسهولة في تناولها بين الأفراد.

صمود وصلابة

وأوضحت الاختصاصية النفسية أن الصور ومقاطع الفيديو أيضًا تترك آثارًا سلبية على نفسية ذوي الشهيد والمصاب وذويه أيضًا، إن تداولها الناس على نطاق واسع، وهي مادة خصبة لنكأ الجرح من جديد.

ونصحت بعدم توثيق هذه الصور ونشرها كثيرًا لأنها مؤذية للنفس، وفي حال صورت لتوثيق جرائم الاحتلال، عليهم الاستفادة من خاصية حجب الصور، والتي تتيحها منصات التواصل ولأنها مشاهد قاسية تؤثر في نفسية المشاهد.

ودعت السعايدة الأشخاص الذين يتمتعون بنفسية ضعيفة إلى عدم مشاهدة هذه الصور ومقاطع الفيديو بداعي الفضول والحماس مثلًا، لأنها ستلقي آثارًا نفسية ستظهر على شكل كوابيس وأحلام مزعجة ويمكن أن تتطور كشكل من أشكال الصدمة.

وأشارت إلى أن المطلوب من الإنسان أن يتمتع بمستوى من الصمود والصلابة النفسية حتى لا يتأثر بالمشاهد العنيفة، منبهة إلى أن كثرة التعرض أو مشاهدة هذه المناظر الصعبة تجعل الإنسان متعودًا عليها ولا يتأثر بها كثيرًا، مثل المسعفين والممرضين.

وأكدت الاختصاصية النفسية أن إمعان الاحتلال في القتل المتعمد بأعتى الأسلحة وأشدها فتكًا بجسم الإنسان، جعل الفلسطينيين أكثر إصرارًا على المضي قدمًا في درب التحرير دون أن تلين عزيمتهم، بل أصبحت تقود للشباب للاستمرار في المشاركة في التظاهرات الأسبوعية كل يوم جمعة، ودافعًا للانتقام من المحتل.

وشددت على أن التفريغ النفسي للمشاعر السلبية التي تعتري الإنسان نتيجة مشاهد الصور ومقاطع الفيديو العنيفة والقاسية، ضروري للحفاظ على السلامة النفسية وتفادي تراكمها.

والتفريغ النفسي للمشاعر السلبية، بينت السعايدة أنه يكون بالتفاعل مع الموقف من خلال إطلاق العنان للمشاعر دون حسيب أو رقيب، والمشاركة الوجدانية.

ومن أساليب وطرق التفريغ النفسي، ذكرت السعايدة أن إطلاق العنان للمشاعر بالبكاء مثلا، أو التفريغ بالكتابة، أو الرسم، أو بالغناء والإنشاد، فطريقة التعبير تختلف من شخص لآخر.

ولفتت إلى أن عتبة الإحساس نفسيًّا تعرف بمقدار تأثرنا بالأحداث وتفاعلنا معها وتختلف من شخص لآخر.

تفريغ نفسي

وقالت السعايدة: "نحن بحاجة إلى الاهتمام بذواتنا أكثر، نحتاج إلى الرعاية الذاتية، أعطي نفسي مساحة للتفريغ عن المشاعر والانفعالات، والتواصل مع الأشخاص الإيجابيين ليسوا من نفس المجال، والانضمام لنوادٍ اجتماعية كمؤسسات ذوي الشهداء والمصابين".

وتابعت: "حضور تدريبات ترفع الصلابة النفسية؛ الإسعاف النفسي الأولي وطرق مواجهة الصدمة، ومشاهدة مقاطع فيديو إيجابية لتقوي العزيمة ومواجهة الصعاب، والبحث في سير الأشخاص الذين مروا بمحن حولها إلى منح، وأخذ العبرة والعظة منهم، هذا يعطي حافزًا بأن الحياة مستمرة للأمام، وتجعلك تستمر في همتك".

وحذرت الاختصاصية النفسية الشخص أو من حوله إذا لاحظوا تطورًا في حالته وظهور أعراض للصدمة، سببت مشكلة نفسية، عليهم الإسراع بالتوجه لذوي الاختصاص والعاملين في الميدان النفسي، وعلى الأهالي مراقبة أبنائهم عما يشاهدونه عبر منصات التواصل والتعامل الفوري معها من خلال التفريغ النفسي، ومنعهم من مشاهدتها.