خامسًا: الحكم بالسنة حكم بالكتاب:
عن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله, فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب, وكانت تقرأ القرآن, فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله؟ وهو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله : [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] {الحشر:7} .
فهذا ابن مسعود يقول عن حكمٍ ثبت بالسنة ولم يُنَصَّ عليه في القرآن أنه في كتاب الله.
وسئل عكرمة عن أمهات الأولاد؟ فقال: "إنهن حرائر"، قيل له: "بأي شيء تقوله"؟ قال: "بالقرآن"، قال: "بماذا من القرآن"؟ قال: "قول الله [وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] {النساء:59}، وكان عمر من أولي الأمر"، قال: "عتقت وإن كان سِقْطاً".
بل ذهب الإمام المطلبي ناصر السنة إلى أبعد من ذلك إذ جعل ما ثبت عن عمر > ثابتًا في كتاب الله بنوع استنباط واستدلال بمراتب.
سادسًا: الأخطاء المترتبة على الشبهة:
الذين أثاروا هذه الشبهة فقد ارتكبوا عددًا من الأخطاء, أعظم هذه الأخطاء: أنهم لم يحاولوا أن يفهموا الموضوع في إطار القرآن الكريم كله, ومن البدهيات التي يعلمها عامة الناس أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وأن آياته إنما يفهم بعضها في إطار البعض الآخر، وأن تفسير بعض الآيات بعيداً عن بقية الكتاب الكريم قد يكون خطأً يؤدي إلى محظورين خطيرين:
1. عدم فهم المراد من الآيات فهماً صحيحاً.
2. أن يضرب القرآن بعضه ببعض، وتتعارض بعض آياته بالبعض الآخر، وهذا جرم عظيم.
وبذلك يتبين ضلال هؤلاء وسوء فهمهم وتهافت شبهاتهم، وأنه لا منافاة بين حجية السنة وبين كون القرآن تبيانًا لكل شيء.