فلسطين أون لاين

​الحصار والإجراءات العقابية يعرقلان وصول الدواء

مريضات سرطان الثدي يواجهن "الشوك" في "أكتوبر الوردي"

...
باستئصال الثدي لا ينتهي العلاج
غزة/ مريم الشوبكي:

يكتسي شهر أكتوبر كل عام باللون الوردي للتوعية بسرطان الثدي، ويتضامن العالم مع مصابيه بوضع شريط وردي، وذلك لتسليط الضوء على هذا "المرض الصامت"، وزيادة الاهتمام به، وتبيان خطورته وضرورة التبكير في الكشف عنه وعلاجه، لكن الحصار المشدد والإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة يمثلان "الشوك" الذي يواجه المرضى.

وتعاني المصابات بسرطان الثدي معاناة مضاعفة كغيرهم من مريضات ومرضى أنواع السرطان الأخرى، حيث يؤثر هذا الحصار المفروض منذ 12 سنة على مدى توافر العلاج لهم، وحتى التحويلات الطبية ممنوعة وإن توافرت فإن الاحتلال الإسرائيلي يؤخر المرضى بحجة الفحص الأمني مما يساهم في انتشار المرض بأنحاء أخرى في الجسم وتدهور خطير في صحة المرضى.

سلوى أبو غبن أصيبت قبل خمسة أعوام بإعياء شديد ولم يفلح تشخيص الأطباء وحتى أجهزة كشف المرض باكتشافه، حيث شخصها الأطباء بعد معاناة عام ونصف بأنها تعاني من التهابات في ثديها.

تصف أبو غبن لصحيفة "فلسطين" معاناتها بالصعبة قائلة : " دمرت نفسيا وجسديا قبل أن يتم منحي تحويلة طبية إلى مستشفى المقاصد في القدس المحتلة لإجراء صورة رنين لثدي، والتي أظهرت تفشي المرض الأمر الذي استدعى إلى استئصال الثدي".

وتابعت : " لم تتوقف معاناتي بل تواصلت بعد منعي من استكمال العلاج في مستشفى المقاصد بحجة أنني تحت الفحص الأمني، وفي انتظار الموافقة اكتشف الأطباء بغزة انتشار المرض بسرعة في أنحاء أخرى بجسدي حيث أثر على العظام والرئتين والغدة الدرقية، وأضعف عضلة القلب لدي أيضا".

وأشارت أبو غبن إلى أنها لم تستطع إكمال علاجها بمستشفى الأورام في غزة لتأثير الحصار على إمكانات العلاج الكيماوي وأدوية المناعة أيضا، مما يؤدي إلى انتشار المرض وبالتالي بدء العلاج من جديد.

ونبهت إلى أن ما يزيد من معاناة مريضات سرطان الثدي ارتفاع عددهن بالإضافة إلى العبء المادي الملقى على عاتقهن بسبب عدم توافر الأدوية في وزارة الصحة مما يضطرهن إلى شرائها على نفقتهن الخاصة.

وتعيش أبو غبن ظروفا اقتصادية صعبة فزوجها مريض وعاطل عن العمل، وبالتالي لا تستطيع شراء الأدوية، مطالبة المؤسسات المعنية بمريضات السرطان بتوفير العلاج والغذاء المناسب لهن.

وفي "أكتوبر الوردي" ناشدت حكومة رامي الحمد الله والجهات المعنية إنشاء مستشفى خاص بمرضى السرطان، ليتسنى للمرضى اكتشاف المرض مبكرا، بالإضافة إلى توفير الأدوية، مطالبة الجمعيات الخاصة بتوفير مصروف شخصي للمريضات لشراء الأدوية والغذاء الخاص بهن.

وأكدت أبو غبن أنها تشارك كل عام في المؤتمرات التي تقام بمناسبة أكتوبر الوردي، لأنها تجدد الروح فيها، وتشعر بأن العالم يدرك معاناة مريضات السرطان الثدي.

علاج بعد الاستئصال

أن تقود إحداهن حملات لتوعية بالكشف المبكر لسرطان الثدي، وفجأة تكتشف أنها مصابة بهذا المرض سيصيبها بالصدمة, والشعور بكم الألم غير المحتمل الذي تعانيه المصابات يوميا بعد أن كانت تحدث النساء عنه، هذا ما حدث مع صفية لبد التي كانت تعمل حكيمة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".

لبد (62 عاما) قالت لصحيفة "فلسطين" : " منذ تسع سنوات اكتشفت أنني مريضة بسرطان الثدي بعد الكشف الذاتي، وبعد الفحص تأكدت من وجود ورم وبالفعل استُئصل في مستشفى بغزة، وبعدها بدأت معاناتي مع العلاج الكيماوي".

وأضافت: " كل ثلاثة أسابيع أحتاج إلى جرعة كيماوي والتي كانت تتأخر في كثير من الأحيان حتى فقدت في الفترة الحالية، وبعد الكيماوي تضعف مناعة الجسم ولرفعها أحتاج إلى أدوية مناعة ولم تعد وزارة الصحة توفرها للمريضات، حيث أقوم بشرائها على نفقتي الشخصية".

باستئصال الثدي لا ينتهي العلاج، إذ بينت لبد أنها تحتاج إلى متابعة وعلاج لمدة خمس سنوات كوقاية من عودة المرض، وهذا يتطلب سفرها إلى مستشفى المطلع للخضوع لعلاج إشعاعي للتأكد من إذا ما عادت الخلايا السرطانية أم لا.

وأشارت إلى أنها بعد ثلاث سنوات عاد إليها مرض السرطان في الغدة الدرقية وهذا ما استدعى استئصالها، وتحتاج على إثر ذلك إلى علاجات لا تتوفر إلا في مستشفى "هداسا" في القدس المحتلة.

ولفتت لبد إلى أن دائرة العلاج في الخارج التابعة لرام الله، أبلغتها بعدم توفر تغطية مالية لعلاجها، ولم تحصل على أي جرعة من الأدوية منذ ستة أشهر.

وطالبت بتوفير العلاج المجاني لمرضى السرطان، والتغذية المالية للتحاليل الطبية الخاصة بهم، وتوفير سلة غذائية لهم، ومصروف يومي لغير القادرين منهم على شراء الدواء والغذاء.

واقترحت لبد إنشاء صندوق تبرعات خاصة بمرضى السرطان، الذين يعانون من نقص الأدوية وعدم الحصول على تحويلات طبية للعلاج في الخارج.

320 حالة سنويًا

من جهتها أوضحت مدير دائرة صحة المرأة في وزارة الصحة بغزة واستشارية طب الأسرة د.سوسن حمادأن نسبة انتشار مرض سرطان الثدي تمثل 149 حالة لكل 100 ألف شخص، واكتشافه مرهون بالعمر ما بعد سن الـ40.

وبينت حماد لصحيفة "فلسطين" أنه يتم اكتشاف320 حالة جديدة في قطاع غزة كل عام، منوهة إلى أن نسبة المصابين بسرطان الثدي في ازدياد.

وأشارت إلى أن نتيجة الوعي بالكشف المبكر عن سرطان الثدي قلل عدد الوفيات، أما في الدول النامية يزيد عدد الوفيات بعدم توفر هذا الوعي.

وذكرت مدير دائرة صحة المرأة أن سرطان الثدي يشكل 18% من مجمل أنواع السرطان في القطاع، ونسبة المصابين به تمثل 37%، وهو الأكثر انتشارا بغزة من بين أنواع السرطان الأخرى، ومرض السرطان يعد ثاني أكبر سبب للوفاة بعد أمراض القلب.

ولفتت إلى أن السيدات أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، و1% من الرجال يصابون بهذا المرض، ويظهر في عمر متقدم في الـ50 من العمر.

ونبهت مدير دائرة صحة المرأة إلى أن التحول الجيني والوراثة عامل مساعد للإصابة بسرطان الثدي، وهناك عوامل أخرى كالسمنة، وقلة الحركة، والرضاعة الطبيعية، والحمل المتأخر، بالإضافة إلى تناول الأطعمة الغنية بالدهون الغير صحية، وتناول الأدوية الهرمونية.

وأكدت أن وزارة الصحة تنفذ حملات توعية للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وتوفر جهاز حديث رقمي للكشف عنه مجانا دون وجود تأمين صحي، لجميع السيدات فوق سن الـ40.

وقالت حماد أن الأصل هو الكشف المبكر عن سرطان الثدي دون انتظار الأعراض المصاحبة له، مع ضرورة التقصي عن وجود المرض كل عامين.

وأضافت مدير دائرة صحة المرأة أنه عندما يشك الأطباء بوجود ورم لدى السيدة يتم أخذ عينة منها، وإذا ثبتت أنها ايجابية، يضع فريق من الأطباء خطة علاج، بعد دراسة نوع المستقبلات أي أنها هل ستستجيب لعلاج هرموني أو بيولوجي، وهذا متوفر في مختبرات خاصة.

وأشارت إلى أن 60% من المريضات ممنوعات من السفر للعلاج في الخارج بحجة الرفض الأمني من الاحتلال، رغم احتياجهن للسفر لعدم توفر العلاج الكيماوي والإشعاعي أيضا.

ودعت حماد السيدات إلى الفحص الذاتي للثدي من عمر 20 إلى 40 عاما، أما الفحص الإكلينيكي عند طبيبة مختصة يحدث مرة كل ثلاث سنوات، وبعد عمر 40 عاما يجب أن تقوم به سنويا، أما فحص الماموجرام يتطلب إجراؤه كل عامين، أما في حالة وجود تاريخ وراثي يجب أن يتم الفحص كل عام.

وطالبت مدير دائرة صحة المرأة بتوفير علاج اشعاعي بالقطاع، مع توفير علاج كيماوي بالكامل وتوفير أدوية السرطان كلها، لحماية المرضى من الابتزاز، وإزالة معاناة السفر عن كاهلهم، منبهة إلى أهمية توفر الدعم النفسي للمريضات أيضًا.