فلسطين أون لاين

​الاعتذار الثقافة الغائبة مفتاح لقفل المشكلات

...
غزة/ صفاء عاشور:

في جميع مراحل الحياة يمرُّ الإنسان بكثير من المواقف التي تستدعي منه الاعتذار عن بعض الأخطاء التي يقوم بها بحق الآخرين، إلا أنَّ ثقافة الاعتذار وقول كلمة "أنا آسف" ليست واردة في قاموس كثير من الناس.

حيث يعتقد كثيرون أن الاعتذار نقطة ضعف لا يجب إظهارها، لكونها دليل انكسار وهزيمة لا تليق بهم، ومن هذا المنطلق فإن أشد المكابرين الرافضين للاعتذار، هم من الذين يصنفون أنفسهم فئة سامية لا يجب أن تعتذر.

الخبير في التنمية البشرية د. مؤمن عبد الواحد، أكد أنَّ الاعتذار ليس له صيغة واحدة ولكن يجب أن يكون بصور متنوعة كلامية أو سلوكية، ولكن بشرط أن يحقق رضا الطرف الآخر من الاعتذار.

وقال في حديث لـ"فلسطين": إن "ثقافة الاعتذار عند كثير من الناس غير موجودة لأن في صدور المخطئين لمسات كبيرة ورفضًا للاعتذار واستصغارًا للطرف الآخر، كما أن الشخص المخطئ يرفض أن يعترف أن في تفاصيل سلوكه أخطاء وأنه يمكن أن يغلط ويسيء الفهم".

وأضاف عبد الواحد: إن "الإنسان ما بين الكبر والجهل، يرفض الاعتذار لما قام به، وعليه عدم إدراك الشخص بأن الكلام الذي خرج منه قد يجرح الطرف الآخر"، لافتًا إلى أن سيدنا آدم أول من اعتذر لله عن معصيته وأكله للتفاحة التي نهاه عنها، كما اعتذر باقي الأنبياء مثل موسى وغيره.

وأوضح أنه عندما يعتذر الكبار وأصحاب المقامات العالية، ويعترفون بأنهم أخطؤوا فهذا يزيد من شأنهم، وليس حسب ما يعتقد الكثيرون أن الاعتذار دليل ضعف أو فشل يجب أن يخجل منه الإنسان.

وبين عبد الواحد أن الكثير من المخطئين يحاولون تسويغ الخطأ للطرف الآخر والتخفيف منه، خاصة عندما يلمسون أن ما تفوهوا به يجرح الطرف الآخر، مشيرًا إلى أن هذا الأسلوب قد يسبب مزيدًا من الحزن والزعل عند الطرف الآخر.

ونبَّه على أنه لا يوجد أسلوب معين للاعتذار، وقد يختلف من شخص إلى آخر، وقد يكون أسلوب الاعتذار إما لفظيًّا أو بإيماءة أو سلوك أو بأي أسلوب آخر؛ بشرط أن يحقق هذا الأسلوب رضا الطرف الآخر.

وذكر عبد الواحد أن اعتذار الرجل لزوجته قد لا يكون بالكلام، ولكن ببعض التصرفات التي قد ترضى الزوجة مثل شراء ما تحب، أو القيام ببعض التصرفات التي تترك في قلبها شيئًا من الرضا يجعلها تنسى الخطأ الذي وقع بحقها.

وأشار إلى أن عدم تكرار الخطأ أو السلوك السلبي في حق الطرف الأخر هو اعتذار ضمني، وبالتالي لا يحتاج المخطئ إلى التأسف أو الاعتذار، مشددًا على ضرورة نشر هذه الثقافة بين جميع أفراد العائلة وليس فقط على الكبار.

وأوضح عبد الواحد أن تعليم الأطفال لموضوع الاعتذار أمر ضروري، وهو أمر سهل، بشرط أن يراه أمرًا ممارسًا على أرض الواقع وليس خيالًا، فالاعتذار يجب أن يكون من أي شخص يخطئ من العائلة ولا يقتصر على الصغار فقط.

وأكد عبد الواحد ضرورة أن يمارس الكبار الاعتذار أمام الصغار؛ حتى يغرس هذا السلوك الحسن فيهم، وحتى يفهموا أن هذا السلوك يزيدهم قيمة ولا ينقص من شأنهم شيئًا، منبهًا إلى ضرورة أن يكون الاعتذار مقرونًا بإفهام الطفل بالخطأ الذي ارتكبه.

وبين أن الاعتذار ليس كلمة تقال لتبرير الخطأ، أو البحث عن مخرج من الورطة التي سببها سلوك خطأ، إنما الاعتذار يعني الاقتناع التام بأن هناك خطأ ينبغي تصحيحه، وهو ما أوجب الاعتذار، وعليه فإن نوع الاعتذار لا بُدَّ أن يقترن بنوع الخطأ وحجمه.