فلسطين أون لاين

​في ظل واقع متردٍّ للخريجين والعمال

الآلاف يعانون البطالة ومشاريع متواضعة جداً للحدِّ منها

...
غزة - صفاء عاشور

ما يزال قطاع غزة يعاني مشكلة البطالة بين الخريجين والعمال بشكل وصل إلى حد الكارثة، كارثة حذرت من انفجارها مؤسسات دولية كالبنك الدولي والأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات التي لا يتجاوز عملها سوى التحذير فقط دون العمل على إيجاد حلول.

وحسب آخر إحصائية للمركز الإحصائي الفلسطيني فإن نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت إلى 53.7%، أما عدد الخريجين والعمال العاطلين عن العمل فوصل إلى 240 ألف خريج وعامل وذلك حسب إحصائية لوزارة العمل في قطاع غزة.

وسام عودة مهندس مدني أنهى دراسته وبدأ في البحث عن عمل، حالفه الحظ في بعض الأحيان بالعمل في بعض المشاريع والتي ما إن تنتهي حتى يعود مجددًا لصفوف البطالة، وهو الآن متوقف عن العمل منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وأوضح عودة لـ"فلسطين" أن يومه يضيع في مشاهدة التلفاز وتصفح الإنترنت إضافة إلى النزول إلى الشارع، لافتًا إلى أن فرصة العمل الواحدة التي يمكن أن يتم الإعلان عنها قد يتصارع عليها الآلاف من الخريجين، وعليه فالأمل ضعيف للغاية في الحصول عليها.

وقال عودة: "وضع الخريجين صعب للغاية، لذلك عملت على إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي لينضم إليها الخريجون في غزة والعاطلون عن العمل، للتنسيق فيما بيننا على إقامة الفعاليات المطالِبة بحل مشكلة الخريجين العاطلين عن العمل والمشاركة فيها بأكبر عدد ممكن".

وأضاف: "وبالفعل تمكنّا أكثر من مرة من عمل اعتصامات أمام وزارة العمل ومقر مجلس الوزراء في غزة لمطالبة وزراء حكومة الحمد الله بالقيام بدورهم والمساهمة في حلّ مشكلة البطالة بين الخريجين".

البحث عن عمل لا يقتصر على الخريجين من الجامعات فقط، بل امتد الأمر إلى أولياء أمورهم، فها هو محمد الأغا 50 سنة أب لأربعة تخرجوا في الجامعات من تخصصات مختلفة وجميعهم عاطلون عن العمل.

وقال في حديث لـ"فلسطين": "مع تخرج ابني الكبير من الجامعة منذ خمس سنوات بدأت في السعي والبحث عن عمل له، ومنذ ذلك الوقت وكل عام ينضم ابن جديد لي إلى صفوف العاطلين عن العمل دون أن يتمكن أي أحد منهم من الحصول على وظيفة في مشاريع التشغيل المؤقت أو مشاريع المؤسسات الدولية في القطاع".

وأضاف الأغا: "أبنائي الأربعة لا يعملون أي شيء سوى الجلوس في المنزل، وعند وجود مشاريع تشغيل مؤقت تذهب لمن تنطبق عليه الشروط، والتي في أصلها شروط غير منصفة، وتقف بجانب فئات على حساب فئات أخرى".

وبين أنه لم يتوقف عن المجيء كل شهر إلى وزارة العمل للسؤال عن إمكانية توفير وظيفة لأبنائه تساعدهم في بناء مستقبلهم وتخفف عنه المسؤولية الملقاة على عاتقه والتي لم يعد قادرًا عليها.

مسؤولية الوزارة

في السياق ذاته، أوضح مدير عام التشغيل في وزارة العمل عبد الله كلاب أن دور الوزارة العمل على توفير البيئة الملائمة لاستيعاب المتعطلين عن العمل من العمال والخريجين، إضافة إلى توجيه وإرشاد الخريجين وتدريبهم، وفقًا لحاجة سوق العمل وخلق وعي لدى الشباب نحو فرص العمل المتوافرة في سوق العمل.

وأكد في حديث لـ"فلسطين" أن وزارة العمل جهة من عدة جهات تتحمل مسؤولية المساهمة في التخطيط ورسم السياسات للحد من نسب البطالة المرتفعة جدًّا، إضافة إلى توجيه الشباب إلى المجالات والتخصصات التي تلائم حاجة السوق.

وقال كلاب: إن "أعداد الباحثين عن العمل والمسجلين لدى الوزارة بلغ 124 ألف خريج و181 ألف عامل بما يعني 305 آلاف مسجل على قاعدة البيانات الخاصة بالوزارة، منهم 70 ألفًا مطابقون لشروط التسجيل وفقًا للبرامج التي أعلن عنها فيما سبق".

وأضاف: "في شهر أغسطس 2018 تم تنفيذ مشروع لتشغيل العمال والخريجين بالشراكة مع UNDP الذي استهدف تشغيل 1300 عامل وخريج من كلِّ التخصصات"، لافتًا إلى أنه من المتوقع البدء بتنفيذ مشروع بقيمة 17 مليون دولار ينفذه مركز تطوير المؤسسات الأهلية NDC وبتمويل من البنك الدولي ويهدف هذا المشروع إلى تشغيل 4400 خريج.

وأردف: "كما يوجد مشروع لدعم المشاريع الصغيرة بالتعاون مع بنك فلسطين وصندوق التشغيل الفلسطيني بميزانية تقدر بـ50 مليون دولار بهدف تمويل المشاريع الصغيرة خلال الخمس سنوات القادمة وبنسبة فائدة 5%".

وبين كلاب أن قطاع غزة بحاجة إلى مشاريع تشغيل مؤقت عاجلة، تستهدف تشغيل 20-25 ألف خريج كي يتم تحريك عجلة الاقتصاد وتعزيز السيولة النقدية في سوق العمل المحلي، مؤكدًا أن هذه البرامج تخفف من حدة البطالة بنسبة ضئيلة في ظل الركود الاقتصادي الكبير وتدهور عجلة التنمية، إضافة إلى حالة الحصار والإغلاق التي يعيشها القطاع.

السبب الرئيس

وقال كلاب: إن 85% من أسباب البطالة مرتبط بالاحتلال الاسرائيلي والحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد على اثني عشر عامًا، ومنعه من إحداث أي تطوير في البنية التحتية أو تطوير المصانع والمنشآت المحلية، إضافة إلى معاناة الناس المستمرة من أزمة الكهرباء وتسريح العمال وأزمة رواتب موظفي السلطة الفلسطينية.

وأضاف أن 15% من أسباب البطالة هي عوامل ذاتية متعلقة بالفجوة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي، وضعف جودة مخرجات التعليم، إضافة إلى تأثير الانقسام وتبعاته، وفي هذا الإطار تنفذ الوزارة عددًا من برامج التدريب والتأهيل للخريجين والعمال والفنيين بالشراكة مع المؤسسات الأكاديمية والأهلية ومؤسسات الـNGOS.

ونبه على أن تخصص التعليم الأساسي هو الأعلى في معدل البطالة بين الخريجين، حيث يوجد 11 ألف خريج تعليم أساسي من بين المسجلين لدى الوزارة بحثًا عن العمل، وما يزال هذا التخصص مفتوح في كل الجامعات.

محاولات حثيثة

وأكد كلاب أن وزارة العمل تسعى لإيجاد العديد من الحلول لمشكلة البطالة، ومن هذه الحلول تصدير عمالة فلسطينية إلى بعض الدول العربية الصديقة ولكن هذا الأمر ليس سهلًا ويحتاج إلى تنسيق وترتيب مع أكثر من جهة بحكم حصار الاحتلال والإغلاق المفروض على قطاع غزة، لافتًا إلى أنه أرسلت رسائل لوزراء العمل في الجزائر، وقطر، والكويت ودول عربية أخرى لاستيعاب عمال وخريجين من غزة، والوزارة بانتظار ردود هذه الأطراف.

وأشار إلى أن الوزارة تدعم توجه خريجي الثانوية العامة لدخول التخصصات المهنية والتطبيقية، وذلك نظرًا لحاجة سوق العمل لها.

وشدد كلاب على أن الصورة ليست وردية فيما يتعلق بإيجاد الحلول لمشكلة البطالة، ولكن الأمل موجود، مؤكدًا أن الحل الأكبر لهذه المشكلة وغيرها من المشكلات المرتبطة بالبعد الاقتصادي هو زوال الاحتلال الذي من شأنه أن يسهم بحل جميع المشكلات الفرعية المترتبة على هذا الاحتلال.