فلسطين أون لاين

​فارس السرساوي جهّز العلم فـ"كُفِّنَ" فيه شهيدًا

...
جانب من تشييع الشهيد السرساوي (أ ف ب)
غزة - نسمة حمتو

كطلقات الرصاصة الساخنة حين تخرج من فوهة البندقية كان جسده النحيل وعيناه الغائرتان قصة مأساة لكل من شاهد صورته وهو مصاب في مسيرات العودة، كانت نظراته الخاطفة مُخيفة جدًا فكيف لطفلٍ في عمر الورد أن ينتظر لحظة كهذه، فالحياة أصبحت بالية هُنا، مر به شريط حياته من اللعب لحفظ القرآن لدروسه المدرسية، وكانت آخرَ لحظة رأى فيها جسد والده الذي لم يتوقف جمعة واحدة عن اصطحابه لمسيرات العودة.

حبُّ العودة

الشهيد الطفل فارس السرساوي، انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ينظر بألم لتلك الرصاصات التي اخترقت جسده النحيل وجعلته يفارق الحياة بعد أقل من نصف ساعة، عمُّ فارس الذي كان يحمل ذكريات كثيرة عن ذلك الطفل المولع بالحيوية والنشاط قال لـ"فلسطين": "منذ بداية مسيرات العودة وفارس لم يتوقف لحظة واحدة عن المشاركة فيها، حتى أن شقيقه الأكبر ووالده أصيبا قبل ذلك في المسيرات، لكنه كان ينتظر بفارغ الصبر أن يأتي يوم الجمعة كي يذهب للحدود الشرقية ويحمل العلم ويشارك في المسيرات، وكان والده من المداومين كل جمعة على مسيرات العودة".

وأضاف السرساوي وهو يتذكر ابن شقيقه: "رغم صغر سن فارس إلا أنه كان لديه طاقة وحركة ونشاط لا يمتاز بها أي أحد من جيله، حتى أن عائلته كانت تستغرب جدًا من كثرة حركته".

وتابع قوله: "شقيقه الأكبر كان قد أصيب قبل ذلك في رأسه وظن المسعفون أنه قد استشهد وكانوا يلقنونه الشهادة طيلة وجوده في الإسعاف وبفضل الله بعد وصوله للمستشفى اكتشفوا أن الرصاصة التي أصابت رأسه كانت خارجية".

حفظ القرآن

وأشار السرساوي إلى أن فارس كان يداوم يوميًّا على حفظ القرآن الكريم في مسجد أحمد ياسين القريب من منزله ولا يتأخر عن الصلاة فيه، قائلًا: "كان من الأطفال النشيطين في المسجد وكان معروفًا بحركته الكثيرة هناك".

وتحدث السرساوي عن طريقة استشهاد ابن أخيه في مواجهات الجمعة بالقول: "كان فارس يحمل في يده إطارات السيارات ويحاول إلقاءها بين النيران القريبة من السلك الزائل، وكان يقف وسط النيران فاستهدفته بطلقتين من قناصين مختلفين لأن الجرح في صدره كان في منطقتين".

وأضاف: "فارس لم يكن يهدد أمن الاحتلال الإسرائيلي بمشاركته في مسيرة العودة، بل كان طفلًا يحلم بأن يعيش حياته، ويريد أن يستقر كأي طفل من غزة لم يعِش حياة طبيعية، كان يريد أن يعبر عن ذاته، أن يقول للعالم أنا من غزة جئت هنا كي أدافع عن وطني وأرضي".

ظروف صعبة

ومضى بالقول: "كيف لطفل في هذا العمر أن يهدد أمن الاحتلال الإسرائيلي، وهو لم يعِش حياته، فوالده يعمل موظفًا لا يحصل سوى على 40% من راتبه ولديه سبعة إخوة".

جدُّ فارس من مدينة بئر السبع القريبة من السلك الزائل، كل ما كان يريده هو العودة لأرضه التي اختطفها الاحتلال عنوة من أجداده، وعن ذلك قال عمه: "كان فارس يتساءل دائمًا لماذا يأتي اليهود من أمريكا ودول الغرب ويعيشون في أرضي وأنا أحرم منها؟".

وأكمل حديثه: "كان يتحدث دائمًا عن الشهادة، وقبل ذهابه للمسيرات صلى الجمعة وجلس يجهز العلم من أجل المشاركة في المسيرات القريبة من منزله، جلس مع أولاد أعمامه وأخواله وكان يعدّ زعيمهم، حتى أنهم بعد وفاته جمعوا إطارات السيارات وأرادوا إحراقها احتجاجًا على استشهاده".

وعن اللحظات الأخيرة لفارس قال: "كان معروفًا بين الجميع بأنه كثير الحركة، إلا أنه في هذا اليوم كان جالسًا في المسجد، وهادئًا جدًّا، وتملأ قلبه السكينة على غير عادته، وكان محبوبًا من الجميع، وخفيف الظل، فيه نخوة حتى أنه كان في الصفوف الأولى لخدمتنا".