فلسطين أون لاين

​من النصيرات حتى "ملكة" بغزة

"أبو سمعان"قطع المسافة مشيًا ليلحق بـ"الشهادة"

...
غزة - مريم الشوبكي

عاش حياة متعبة وبها من الشقاء ما لا يتحمله شاب في مثل عمره، ورغم ذلك كان حنونًا وطيب القلب، ولا يعرف كلمة "لا"، يلبي نداء كل من طلب منه مساعدة، حينما تسأل عن "محمود" تجد أن كل مخيم الشاطئ يعرفه.

الشهيد محمود أبو سمعان (24 عامًا)، استشهد في إثر رصاصة متفجرة اخترقت بطنه وخرجت من ظهره، في أثناء مشاركته في جمعة الثبات والصمود ضمن فعاليات مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار في موقع ملكة شرقي مدينة غزة.

الزجاجات البلاستيكية

"محمود" لكي يحصل على بضعة شواقل، كان ينطلق من بيته في النصيرات وسط قطاع غزة، مشيًا على الأقدام على طول "الكورنيش" حتى يصل مدينة غزة، ليجمع الزجاجات البلاستيكية الفارغة، ويبيعها لبائع المنظفات، كل عشر زجاجات بشيقل واحد.

مريم أبو سمعان والدة الشهيد محمود ذرفت الدموع على فراق فلذة كبدها الذي كان متكفلًا بتدبير وجبة الغداء لإخوته يوميًّا من وراء جمع الزجاجات، تقول: "يوم الجمعة استيقظ محمود باكرًا في السادسة صباحًا، وكعادته جمع الزجاجات من كورنيش غزة، وعاد في الثالثة بعد الظهر جالبًا أجنحة دجاج لكي أطهو طعام الغداء".

وتتابع أبو سمعان لـ"فلسطين": "قلت له: استرِح قليلًا، لقد تعبت اليوم، فقد ذهبت مرتين مشيًا على الأقدام إلى غزة، وقدمت له الطعام وأكل لقيمات قليلة، وقال لي: أريد اللحاق للمشاركة في مسيرة العودة في موقع ملكة بغزة، ذهبت الباصات ولكن سألحقهم مشيًا".

الشهادة نصيبي

كان محمود يجمع الزجاجات البلاستيكية؛ ليكفّ يده عن سؤال الناس أو التصدق عليه، رغم أن ما كان يجنيه بعد بيعها عشرة شواقل، والتي لا تكفيه لمصروف يومه، مع ذلك كان يوزعها على إخوته وأمه.

وتشير والدته إلى أن ابنها يشارك مع إخوته في مخيم العودة شرق البريج، وأصيب ثلاثتهم قبل ذلك بقنابل الغاز التي يلقيها جنود الاحتلال الإسرائيلي، ولأن هذه الإصابة لم تُحدِث ما كان يتمناه محمود وهو الشهادة، غيَّر وجهته نحو موقع ملكة شرقي مدينة غزة.

قبل أن يخرج محمود من البيت أخبر والدته بنيته: "في البريج مافش طخ يما، بدي أروح على ملكة هناك الناس بتستشهد على طول"، وبالفعل كان أول شهيد مجهول الهوية هو، استشهد مع بداية المسيرة.

ترتيب محمود بين أشقائه الأربعة الثاني، رغم ذلك كان عمود البيت، بينت والدته أن محمود كان "شَغِّيل" أينما يجد عملًا يسرع إليه دون تردد، وما يجنيه كان يصرفه على البيت.

"لمحمود شقيقة تدعى "نداء" متزوجة وتسكن مخيم الشاطئ، تربطه بها علاقة وثيقة لكونها الأخت الكبرى له والوحيدة التي تزوجت، كان يغادر النصيرات حتى غزة مشيًا على الأقدام ليوفر الأربع شواقل ويشتري بها سكاكر وحاجيات لأطفالها الذين كانوا يحبونه وهم شديدو التعلّق به"، وفق ما قالته خالته أم عماد.

وتقول أم عماد: "آخر موقف جمعني بمحمود حينما قال لي عدت يا خالتي، حينها رددت عليه بأن الشهادة ليست من نصيبه بعد، فكان مصرًا في كلامه أنها ستكون من نصيبه قريبًا، وبالفعل كان له ما أراد ونال الشهادة".

تقول شقيقته "نداء": "يوم الخميس زارني محمود حاملًا سكاكر لأطفالي، ويحرص على زيارتي دائمًا، كان شخصًا ودودًا طيب القلب بسيطًا للغاية".

وعائلة الشهيد "محمود" تعيش وضعًا معيشيًّا صعبًا للغاية، وترزح تحت خط الفقر المدقع، ووالدته مصابة بضغط الدم والسكري، والأب مريض بالقلب لا يقدر على ممارسة أي عمل.