فلسطين أون لاين

​الحوم تشارك وأخاه في "بزر" الوداع

...
(أ.ف.ب)
غزة/ شيماء العمصي:

كغيره من أطفال غزة الذين حوصروا وشدد عليهم خناق الوطن, كان طفلنا الشهيد من السبّاقين للمشاركة في مسيرات العودة التي تهدف إلى تأكيد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم التي هُجِّروا منها قسرًا، وكسر حصار الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة.

محمد الحوم (14 عامًا) ذلك الطفل المحبب إلى أهله وجيرانه، لم يتأخر عن مسيرات العودة، وحاله حال المئات من الأطفال الذين يحلمون بالعودة إلى ديار أجدادهم التي هجروا منها, لم يجد محمد مفرًّا من المشاركة الأسبوعية في المسيرات، ولم يسلم كغيره من المشاركين من الإصابة بقنابل الغاز التي يطلقها عليهم جنود الاحتلال الإسرائيلي.

محمد الذي أصيب بالغاز قبل ذلك، رأى من واجبه أن يسعف المصابين بالغاز، فانضم إلى الفريق المسعف للمواطنين المصابين به، باستخدامه محلول الخميرة الذي يخفف من وطأة الشعور بالألم في الوجه والعينين.

محمد كان على موعد مع الشهادة في الجمعة السابعة والعشرين ضمن مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، والتي تميزت بقوتها وشدتها واستبسال الشباب والأطفال فيها, الشهيد محمد الحوم بطل حكايتنا هذه المرة.

مراسلة صحيفة فلسطين خاطبت ذوي الشهيد الطفل محمد الحوم من مخيم البريج, ليرووا لها قصة طفلهم الشهيد الذي ارتقى عصر يوم جمعة انتفاضة الأقصى، فكان الحوار مع عم الشهيد خليل الحوم.

يقول عم الشهيد: "خبر استشهاد محمد كان مفزعًا لنا ولكل عائلته, حتى أن الطفل بعمر السنة والنصف لم ينم وطول الليل يصرخ باكيًا؛ وكأنه استشعر عدم عودة محمد إلى البيت, لم يغفُ لنا جفن ولم يهدأ لنا بال لما أصابنا نتيجة استشهاد محمد".

وبكل حرقة قلب يصرخ عمّ الشهيد: "حرام عليهم طفل بعمر 14 سنة يقتلونه! ماذا فعل لهم؟ لم يكن يحمل في يده سوى زجاجة ماء تخفف عنه حرقة الغاز المسيل للدموع وعن غيره من المشاركين في تلك المسيرات, أليس هذا حرامًا بحد ذاته؟ طفل بعمر الورد يقتل, بأي ذنب قتلتموه؟ نحن نذهب للمسيرات سلميين, نطالب بحقنا في العودة, بأي ذنب نقتل يا رب بأي ذنب نموت, ألأننا ندافع عن وطننا المسلوب نقتل؟".

يكمل حديثه لمراسلتنا: "قبل ذلك محمد أغمي عليه من الغاز, وأخوه الأكبر أصيب بقدمه, ونجاهم الله من الموت, ألم يكفِهم هذا بعدُ, لماذا قتلتموه؟ وللعلم لم يقتل بأي رصاص بل برصاص دبابة غادرة باغتت صدره فقتلته في وقتها, حسبنا الله ونعم الوكيل, ذهب محمد وذهبت معه ضحكاته التي كانت تفرح البيت عند سماعها".

يضيف أبو يوسف: "محمد أكثر أبناء أخي رقة ونعومة, كان حنونًا جدًّا على إخوته، وعلى أمه وأبيه, محبوبًا كثيرًا بين أولاد أعمامه, نعم هو أفضلهم, وتربى في المساجد, ولا يتنحى عن أي صلاة من الصلوات الخمس في المسجد، حتى صلاة الفجر يصليها حاضرًا وفي أول الصفوف, ويداوم على الذهاب لمركز التحفيظ ليتمم ما بدأ به من الحفظ".

واختنقت الكلمات في حنجرته ولم يقوَ على مواصلة الكلام ولكن أسند حديثه بقول: "يا رب"، وأخذ يروي بقية قصة ابن أخيه الشهيد فيقول: "قبل استشهاده بما يقارب الساعة, كان جالسًا بجوار أخيه على قمة ساتر من السواتر الموجودة على أرض مخيمات العودة شرق مخيم البريج, يأكل "البزر" فعزم على أخيه"، في اللحظة التالية لم يعد صوت أبو يوسف مسموعًا؛ لأنه أجهش بالبكاء عاليًا على فراق ابن أخيه.

استجمع قواه وواصل الحديث: "عزم محمد على أخيه ومازحه وقال له كُل معي فهذه آخر مرة أجلس بقربك, أشعر بأني سأستشهد هذه المرة يا أخي, وأني سأنال الشهادة التي لطالما حييت وتمنيت بأن أتلقاها".

"كل ما يجري على الأرض الفلسطينية من جرائم احتلال إسرائيلية يعدّ سببًا وجيهًا لمواجهة دبابة الاحتلال ولو بحجر"، بتلك الجملة ختم قوله خليل الحوم أبو يوسف عم شهيدنا محمد, ليؤكد أن ما أخذ بالقوة سيسترد حتى بأضعف الوسائل لدينا، وأنه يجب محاكمة الاحتلال على قتله للأطفال بدم بارد ودون ذنب.

ووفق آخر إحصائية صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية، أعلنت فيها أن الإجمالي النهائي لأحداث الجمعة السابعة والعشرين من مسيرات العودة وكسر الحصار على شرق قطاع غزة وصل حتى لحظة كتابة القصة إلى سبعة شهداء، منهم طفلان، وإصابة 506 مواطنين بجراح مختلفة، وحُوّل 201 مواطن إلى المستشفيات، ومن الإصابات 90 إصابة بالرصاص الحي، وثلاث حالات وصفت حالتها بالخطيرة والحرجة جدًا.