فلسطين أون لاين

​العواودة وزّع "حلوان" شهادته والتحق بوالده

...
صورة أرشيفية
غزة/ نسمة حمتو:

كان الجرح غائرًا عميقًا في قلب والدة الشهيد محمد العواودة، فبعد أن ودعت زوجها شهيدًا في انتفاضة الأقصى، صُدمت بخبر آخر وهو ارتقاء ابنها الأكبر شهيدًا بعد أن كان لها السند والصديق، كانت هذه المأساة بالنسبة لها تعادل ألف وجع، ففلذة كبدها الذي دعت الله طويلًا أن يحميه لها استشهد ولن تراه مرة أخرى.

الوداع الأخير

قبل وداع الشهيد العواودة (24 عامًا) بلحظات التف حوله أصدقاؤه وأهله يودعونه الوداع الأخير، فقد كان نعم الرفيق لهم، وطيب القلب، وحنونًا، ولا يحب أن يؤذي أحدًا، وكان يتمنى الشهادة ونالها.

أحمد العواودة عم الشهيد محمد قال لـ"فلسطين" عن اللحظات الأخيرة التي جمعته بابن أخيه: "قبل خروجه إلى مسيرات العودة، ذهب إلى الحلاق ورتب نفسه، وارتدى أجمل ملابس عنده، عندما رأيته استغربت كثيرًا وقلت له: أين ستذهب؟ فقال: إلى مسيرة العودة".

وأضاف: "على الرغم من أنني في كل مرة كنت أنصحه بأن لا يذهب للمسيرات؛ كي لا يصاب بأي أذى، إلا أنه كان يباغتني ويذهب، منذ بداية المسيرات وروحه معلقة بها لم يكن يتأخر يومًا عنها".

وتابع قوله: "بعد استشهاد والده في انتفاضة الأقصى بقى مع والدته وتزوج وأنجب طفلة، والآن عمرها عامان، ولكن وضعه المادي السيئ لم يساعده في توفير حياة كريمة لها، فكان كل ما يتمنى أن يحصل عليه عمل ليستقر وضعه المادي".

لقمة العيش

ومضى بالقول: "عائلته كانت تعتمد كليًّا على راتب والده الشهيد فقط، وعلى الرغم من عدم توافر فرص عمل إلا أنه لم يكن يدخر جهدًا من أجل البحث، ولو عن عمل بسيط من أجل توفير لقمة العيش لزوجته وابنته فقط".

وأشار العواودة إلى أن الشهيد محمد كان طيب القلب، ومحترمًا، ومعروفًا بأخلاقه العالية، ولا يحب أن يؤذي أحد أبدًا، مضيفًا: "كان خدومًا جدًّا، ولا يتأخر عن أحد، ولم يظلم أحدًا في حياته، ولكن حظه كان بائسًا، ففي كل مرة يبحث فيها عن عمل ولا يجد يزيد وضعه النفسي صعوبة".

وقال: "محمد منذ كان طفلًا وهو يتمنى أن يستشهد كما والده، كأنه يعرف بأنه سيلحق به في القريب العاجل، كانت نظراته وتعامله معنا كأنها المرات الأخيرة التي سنراه فيها، حتى أن آخر موقف له قبل خروجه بفترة بسيطة إلى مسيرات العودة كان غريبًا جدًّا".

توزيع الحلوى

وأضاف: "وجدني جالسًا مع والدته وخالته واشترى بعض الحلوى، وقال: أريد أن أحليكم قبل أن أذهب لمسيرة العودة، وبالفعل أطعمنا منها وذهب، وكأنه يريد أن يطعمنا الحلوى فرحًا واستبشارًا باستشهاده".

ومضى بالقول: "كنت أخشى عليه دائمًا من أن يصيبه مكروه في المسيرات أو أن يصاب برصاصة في قدمه ولا يستطيع المشي ولكنه في كل مرة كان يقول لي: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".

وتابع العواودة حديثه: "الحمد لله لطالما تمنى الشهادة، رحل إلى من هو أحنّ عليه من الناس أجمعين، لن يفكر بعد اليوم في عمل جديد، أو مسؤولية".

ووفق آخر إحصائية صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية، أعلنت فيها أن الإجمالي النهائي لأحداث الجمعة السابعة والعشرين من مسيرات العودة وكسر الحصار على شرق قطاع غزة وصل حتى لحظة كتابة القصة إلى سبعة شهداء، منهم طفلان، وإصابة 506 مواطنين بجراح مختلفة، وحُوّل 201 مواطن إلى المستشفيات، ومن الإصابات 90 إصابة بالرصاص الحي، وثلاث حالات وصفت حالتها بالخطيرة والحرجة جدًا.