فلسطين أون لاين

​كُلّاب أيقن بشهادته فودَّع أحبته

...
غزة - شيماء العمصي

على حدود غزة وعلى بعد أمتار من البلاد المحتلة وقف "كريم"، تلبية لنداء الوطن ليصبح الأول بعد دقائق من حضوره برفقة صديقه مسعفًا، بسبب نقص الطواقم الطبية في المكان آنذاك, كريم نجح في نقل العديد من الإصابات للمنطقة الآمنة، لكن بعد ذلك حُمل بسبب إصابته بطلق من قناص الاحتلال الاسرائيلي الغادر، ليرتقي شهيدًا.

"ما إن يودّع شهيد, إلا ونستقبل خبر شهيد جديد, يا الله فلسطين كم تحب أن ترى شبابها عرسانًا". بتلك الكلام بدأ أبو كايد كلاب والد الشهيد كريم كلاب حديثه لـ"فلسطين"، والشهيد كريم كلاب هو شهيد الجمعة السادسة والعشرين من مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار التي انطلقت في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي.

وعن استقبال نبأ استشهاد ابنه كريم يقول: "بكل فخر واعتزاز استقبلت نبأ استشهاد ابني كريم, فهذا شرف لكل العائلة بأن يكون لديها ابن شهيد, وشرف للشعب الفلسطيني بأكمله, بأن كريم دافع عن هذا الوطن حتى نال الشهادة في سبيل تحريره".

ويضيف: "لم أكن أتوقع بأن يستشهد كريم, ولكن الحمد الله ربنا اصطفاه من بين آلاف من المشاركين في مسيرة العودة في ذلك اليوم, ومن بين مئات المصابين أن ينال هو الشهادة, ويلقى ربه شهيدًا بعد دفاعه عن وطنه".

اثنان من الأولاد واثنتان من البنات، أصبحوا ولدًا واحدًا وابنتان بغياب أصغرهم عن الصورة، لحظة لا ينساها والد الشهيد أبو كايد كلاب، الذي كان صابرًا ومحتسبًا رغم ألم الموقف، ثابتًا رغم الاهتزاز الذي يحدثه في داخله لرحيل ابنه آخر العنقود.

يرجع إلى الوراء قليلًا ليتذكر والد الشهيد حكاية ابنه مع البحر, فيقول: "البحر كان صديقًا لكريم, كان يعشق الذهاب إليه, ويحب السباحة وصيد الأسماك, وهو أول من يستيقظ فينا كل صباح ليذهب إلى البحر, حتى أنه كان يخوض أميالًا كثيرة في البحر على سفينتنا الصغيرة, وأكلته المفضلة كانت المأكولات البحرية بأنواعها".

وبنبرة حزينة يروي أبو كايد: "كل جمعة كان يذهب كريم إلى الحدود الشرقية لقطاع غزة, وقبل أن يخرج يقول لأمه أنا ذاهب ولن أعود إليكِ إلا شهيدًا بإذن الله, كانت أمه تضحك عليه كثيرًا, لأن هذه الجملة تسمعها منه في كل جمعة يغادر فيها البيت إلى الحدود الشرقية".

ولكن شهيدنا كان يشعر بأن هذه الجمعة اختلفت عن أي جمعة أخرى, فقد قال كريم هذه الجملة وهو متيقن بأنه سيعود شهيدًا إلى أمه, محمولًا على أكتاف أصدقائه.

يروي لنا والده حسب ما وصله من أصدقائه الذين ذهبوا معه في آخر جمعة له على الحدود, فيقول: "هذه الجمعة تأخرنا في طعام الغداء, ولكن كريم لم يتكاسل عن ذهابه إلى الحدود, فبعد انتهائه من غدائه على استعجال ذهب ليركب في الباصات التي تنطلق من المسجد القريب لبيتنا".

ويتابع: "الباص كان قد ابتعد قليلًا عنه, أخذ يركض حتى توقف الباص وركب مع أصدقائه, وفي الطريق مروا بجوار مقبرة, وإذ به يخبر من معه بالباص, الليلة يا أصدقائي سأبيت هنا في هذه المقبرة, ولكن لا تنسوني, وتعالوا زوروني واسقوا قبري, وانثروا الورد عليه".

ويكمل حديثه: "ودع كل من كان في البيت وأعمامه وأخواله, وكأنه كان يشعر بأنه لن يعود, وأنه سيستشهد هذه المرة".

ويوضح والد الشهيد أن ابنه كان حنونًا فوق الخيال على أمه, وكان مطيعًا لها, ولا يرفض لها طلبًا أيًّا كان, ويحب أخواته البنات جدًا.

استشهد كريم وانتهت الجمعة السادسة والعشرون, ولم تنَل غزة بعدُ حريتها التي يحلم بها أبناؤها، وما زالت مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار مستمرة, وما زال الشعب يقاوم ويضحي بأرواحه فداءً للوطن.