"نسمع جعجعة ولا نرى طحينا"، كأنما يصف هذا المثل الشعبي حال الأمم المتحدة تجاه قطاع غزة. زيارات وبيانات، قلق وتحذير، دون إجراءات فعلية تنهي الحصار الطويل على القطاع منذ 12 سنة تواليا.
ويتراوح دور المنظمة الدولية فيما يتعلق بغزة، بين الانحياز لـ(إسرائيل) أو "الوساطة" بين الضحية المتمثلة بالشعب الفلسطيني، والجلاد الاحتلالي الإسرائيلي، بحسب مراقبين.
زيارات متعددة لمنسق الأمم المتحدة لعملية التسوية في الشرق الأوسط، إلى غزة، فضلا عن تلك التي أجراها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في أغسطس/آب 2017، وانتهت بقوله إنه "يحلم" برؤية دولة فلسطينية، دون ترجمة عملية لهذه الأمنيات.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية المحاضر في العلاقات الدولية د. هاني البسوس، أن ممثلي الأمم المتحدة يعملون بشكل واضح على "مأسسة الحصار" في غزة، مبينا أن الأمم المتحدة قادرة على اتخاذ قرارات واضحة تجاه كيان الاحتلال، والمحاصِرين.
لكن البسوس يقول لصحيفة "فلسطين": "منذ 2007 حتى الآن تعمل الأمم المتحدة بنفس الآلية، وتقدم مساعدات بشكل محدود عبر مؤسساتها لا سيما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مما يعني أنهم يسعون إلى عدم انهيار الوضع الإنساني في غزة، حتى لا تنفجر في وجه (إسرائيل)، دون أن تكون لهم علاقة بالجانب السياسي أو غيره بما يؤدي لرفع الحصار".
ويرى أن للأمم المتحدة سياسة منحازة لـ(إسرائيل)، وتحوّر مفاهيم المنظمة الدولية الإنسانية والأمنية والسياسية لمصلحة الأخيرة.
وينص البند الأول من ميثاق الأمم المتحدة على "حفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم، ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم".
وفي هذا الإطار يرى البسوس أن الأمم المتحدة لم تتخذ الحد الأدنى من الإجراءات في غزة لمعالجة حرمان الغزيين من الحقوق الأساسية كحرية التنقل والحركة والسفر والعمل وإدخال المواد الأساسية.
وينبه البسوس، إلى أن الأمم المتحدة تعلم أن غزة محاصرة، لكن الولايات المتحدة دائما ما تكبل يدها، وتعمل على الضغط على دول ضعيفة لتصوت معها لمصلحة (إسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني.
ويضيف أن آلية العمل في الأمم المتحدة "غير منصفة"، مبينا أن آلية التطبيق على أرض الواقع مرتبطة بمواقف سياسية تستطيع واشنطن تعطيلها متى شاءت فيما يتعلق بميثاق المنظمة الدولية والاتفاقات العالمية والقانون الدولي الإنساني.
مجلس الأمن
من جهته، يصف الكاتب والمحلل في الشؤون الدولية حسام شاكر، دور الأمم المتحدة طوال 12 سنة من فرض الحصار المشدد بـ"راصد ميداني"، بدلا من أن تكون فاعلة ومؤثرة.
ويضيف شاكر لصحيفة "فلسطين"، الأمم المتحدة لم تتخذ حتى اللحظة إجراءات ذات شأن تؤدي لفك الحصار، ولم يصدر عنها موقف صارم ضد هذا الحصار.
ولفت إلى أن إعراب الأمم المتحدة في مناسبات عدة عن القلق لم يرافقه توجه رسمي ملموس لإنهاء الحصار، "لأسباب تتعلق بالمواقف العربية وربما الفلسطينية الرسمية التي كان لها دور في إضعاف أي توجه دولي لرفعه".
ويؤكد أن هيئات الأمم المتحدة في هذا الصدد "تتقاعس"، رغم الكثير من التقارير الصادرة عنها بشأن خطورة الحصار وانعكاساته، وسبق أن أكد تقرير لها أن قطاع غزة لن يكون "ملائما للعيش" بحلول 2020،ما لم تتخذ إجراءات عاجلة لتحسين إمدادات المياه والكهرباء وخدمات الصحة والتعليم.
ويعتقد شاكر، أن جولات ملادينوف لم تعبر عن إرادة دولية جادة في مواجهة الحصار، بل يمكن القول إن الأمم المتحدة كانت "شريكا بشكل غير مباشر" في استمرار المعاناة من خلال عدم تحركات هيئاتها كما ينبغي.
ويشير إلى أن من يملك القرار الأعلى هو مجلس الأمن الدولي، الذي يعد الذراع الأقوى للأمم المتحدة، والأداة الأبرز لتكريس هيمنة القوى العظمى في العالم، وفرض إرادتها على دول العالم الثالث.
ومن أهداف مجلس الأمن: الحفاظ على السلم الدولي، وحل النزاعات، وفرض احترام القانون الدولي -ولو عبر اتخاذ إجراءات عسكرية- ما لم يتعلق الأمر بـ(إسرائيل).
ويبين شاكر أن حق النقض "الفيتو" للولايات المتحدة في مجلس الأمن يعطل أي توجه جاد لرفع حصار غزة.
ويشير إلى أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رمزية، تفتقد قوة الإلزام، وهو ما يعكس إشكالية في البنى الدولية.
ويتمّم بأن الأمم المتحدة لم تنصف الشعب الفلسطيني، وحاولت أن تعمل دور "الوسيط" بين الضحية والجلاد، ما يمثل "مشكلة بنيوية"، أحد تجلياتها استمرار الحصار.
وتفرض (إسرائيل) قيودًا على التنقل في القطاع منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، واشتدت القيود في حزيران/ يونيو 2007 عقب الانتخابات التشريعية في الضفة والقطاع، حين فرضت حصارًا بريًّا وبحريًّا وجويًّا على غزة، حسبما يقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" التابع للأمم المتحدة.

