فلسطين أون لاين

​"مؤمن" خطَّط للاحتفال بوالده فاحتفلوا بشهادته

...
صورة أرشيفية
غزة/ مريم الشوبكي:

اتفق "مؤمن" مع إخوته قبل ذهابه اليومي إلى الحدود الشرقية في مخيمات العودة شرق رفح، على مفاجأة والدهم والاحتفال بيوم ميلاده الذي يوافق التاسع عشر من سبتمبر، على أن يحضر قالب الكيك بعد الانتهاء من مهمته اليومية في وحدة الإرباك الليلي.

عاد "مؤمن" ليس محتفِلًا بل محتفَلٌ به، احتفلوا بشهادته بالورد والزغاريد، والتي نالها في إثر إصابته برصاصة متفجرة من قناص جندي من قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ أصابت رأسه مهشمة دماغه، رحل ضحكة البيت و"فاكهته" وترك ذكرى عطرة في ذاكرة من عرفه ومن مر عليه مرور الكرام.

كان صديقي

إبراهيم أبو عيادة والد الشهيد مؤمن (15 عامًا)، يتحدث عن مواقفه الكبيرة في حياته القصيرة: "مؤمن ترتيبه الرابع في إخوته، لم يكن ابني بل كان صديقي، نلعب معًا "بلاي ستيشن" ونتبادل الضحكات معًا، كان دائمًا يفوز عليّ، كان أصدقائي يستغربون من علاقتنا فهو كان يتعامل معي كأني صديقه الذي في نفس عمره".

يضيف أبو عيادة لـ"فلسطين": "وحينما كنت أشعر بالحزن والهم أذهب إلى مؤمن لكي أفضفض له، دون إخوته جمعتني به علاقة قوية حتى سميته بـدلوعة البابا، حتى حينما كنت أسافر كان يلح على مرافقتي في السفر حتى أخضع لطلباته".

مؤمن كان شخصًا اجتماعيًا، مرحًا للغاية يمزح مع الصغير والكبير، يتمتع بجرأة رغم صغر سنه، لم يتخلف يومًا عن المشاركة في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار رغم محاولات والده معه.

مفاجأة لميلادي

يتابع: "استشهد مؤمن يوم الخميس الذي وافق يوم ميلادي، قبل ذهابه للمشاركة في وحدة الإرباك الليلي أخبرني بأنه يريد أن يقيم احتفالًا بميلادي ولكني رفضت، فذهب لإخوته وأخبرهم بأنه سيأتي بالكيك ويحضرون مفاجأة لي".

ويردف أبو عيادة: "ولكن المفاجأة التي تلقيتها هي استشهاده، حيث استشهد في منتصف الليل، وأطلق على هذا اليوم يوم الغريب، حيث أطلقت فيه طلقة واحدة أنهت حياة مؤمن".

المشاركة في المسيرة كانت فرضًا يؤديه مؤمن كل يوم ومعه خابت كل محاولات والدته في ثنيه عن المشاركة في بعض الأيام، يقول: "في بعض الأحيان كنت أطلب منه عدم الذهاب، ولكنه كان يصر على المشاركة، كسر جواله وعرضت عليه باختيار أي جوال حديث مهما كان ثمنه ولكن بشرط عدم الذهاب إلى الحدود لأنه ما زال صغيرًا، ولكنه رفض عرضي وقال لي لن يستطيع أي أحد منعي عن الحدود".

ولكن "مؤمن" عرض على أبيه عرضًا ليحقق له عدم الذهاب إلى الحدود، يروي والده: "اسعَ لي يا أبي للالتحاق بكتائب القسام، أريد المضي في هذا الطريق وهذا فقط ما يمنعني عن الذهاب إلى الحدود، حينها أخبرته بأن سنه ما تزال صغيرة ولن يقبلوا به".

ويواصل أبو عيادة حديثه: "أسمع من الناس بأن الميت يقوم بأفعال تدل على أن أجله قد اقترب، وبالفعل هذا ما قام به مؤمن حيث طلب من أخيه أنه حينما يستشهد أن يقيم بيت العزاء له في الأرض الفارغة بجوار المسجد".

آخر الكلمات التي سمعها "مؤمن": "الله يسهل عليك يما"، بعد أن طلب منها مالًا أجرة السيارة التي ستنقله إلى الحدود الشرقية لرفح.

شفيعٌ عن زلاتنا

وحدّث أصدقاء "مؤمن" والده بأنه حينما أصيب بالطلق المتفجر في رأسه بعد أن كان متقدمًا عنهم، وقع أرضًا غارقًا في دمائه وجزءٌ من دماغه خرج من رأسه وفُقِئَت عينه، فلقنه صديقه الشهادتين وبالفعل نطق بهما، وعاد عليه مرة ثانية ونطق بهما، وحينما أدخلوه سيارة الإسعاف أنطقه الشهادة للمرة الثالثة فنطق بها، وبعدها ارتقت روحه إلى بارئها.

ويشير أبو عيادة إلى أن أحد الأطباء الذي أخبره بما حدث مع مؤمن، أكد له أنها من الحالات الغريبة، ففي مثل حالاته الخطيرة لا يقوى المصاب على نطق الشهادتين أكثر من مرة لأنه سيغيب عن الوعي، لأن جزءًا من دماغه قد تهشم.

باستشهاد "مؤمن" يرى والده أن الله عز وجل اصطفاه ليكون لهم شفيعًا يوم القيامة، ويغفر لهم زلاتهم يوم اللقاء.

ووحدة الإرباك الليلي هي وحدة انضمت حديثًا إلى ركب الوحدات الفاعلة في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار مثل وحدة الكوشوك، ووحدة الطائرات والبالونات الحارقة، ووحدة قص السلك، ووحدة المساندة" وغيرها من الوحدات والأساليب المبتكرة في مواجهة جنود الاحتلال.

وتشمل فعاليات وحدة الإرباك إشعال الإطارات التالفة (الكوشوك)، إضافة إلى تشغيل أناشيد ثورية وأصوات صافرات إنذار عبر مكبرات الصوت، مع إطلاق أضواء الليزر تجاه الجنود المتمركزين قرب السياج.

وتهدف الوحدة من خلال عملها الليلي إلى إبقاء جنود الاحتلال في حالة استنفار دائم على الحدود لاستنزافهم وإرباكهم.