فلسطين أون لاين

​شقورة تسلّل من النافذة وعاد محمولًا على الأكتاف

...
غزة - خاص "فلسطين"

كان يحمل في قلبه وطناً صغيراً, فاغتالوه برصاصة في القلب, على الأغلب لم يغتالوه وحده, بل اغتالوا أحلامه وأحلام أمه معه, هي وحدها حرقة القلب بعد صدمة الفراق من تلازم أهل الشهيد الآن, وتبردها الدموع، لعلها تكون المواساة الأخيرة لهم, ولعل عزاءهم الوحيد أنه سيكون مقامه جنات الفردوس بعيدًا عن سجن وطنه القاتل.

جنود الاحتلال كانوا لا يريدون لهؤلاء الشباب أن يكبروا ويصبحوا قادة أبطالا، فوجهوا بنادقهم تجاههم، وأطلقوا منها رصاصات الغدر، لينتقلوا من عالم الظلم إلى عالم العدالة، ويكونوا شهداء على التخاذل العربي والدولي تجاههم.

مراسلة صحيفة "فلسطين" هاتفت أم الشهيد محمد شقورة قبيل تشييعه, والتي بالكاد تحدثت معنا وهي تذرف الدموع على استشهاد ابنها وفلذة كبدها محمد، الذي استشهد أول من أمس الجمعة في الرابع عشر من سبتمبر / أيلول الجاري إثر مشاركته السلمية في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، التي انطلقت في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، في ذكرى يوم الأرض.

بتنهيدة توجع القلب قالت أم الشهيد: "آه، يا رب رحمتك, خبر استشهاده كان صدمة بالنسبة لنا, صدمة كبيرة جدًا, مع أنه يذهب كل جمعة إلى الحدود الشرقية لمخيم البريج, لكن لم أشعر أنه سيستشهد هذه الجمعة, لم أفكر للحظة أنه سيذهب ولن يعود إلا على الأكتاف".

لم تتمالك نفسها ولم تقوَ على استكمال الحديث, وأجهشت بالبكاء, ثم طرحت بسماعة الهاتف أرضًا, فعاودنا الاتصال بجدّ الشهيد محمد وكان لا يقل حزنًا عن أم الشهيد.

وقبل الحديث أخذ نفسًا عميقًا, ثم قال: "استقبلنا خبر استشهاد محمد بكل صدر رحب, رغم الحزن الذي خيم علينا, محمد كان يذهب كل جمعة منذ بداية مسيرات العودة إلى الحدود الشرقية, يذهب ليثبت للاحتلال الغاشم بأنه لدينا الحق في العودة لأراضينا المسلوبة, كان يتمنى أن ينال الشهادة في سبيل الله".

وتابع قوله: "أذكر أنه في يوم من الأيام كان يريد الذهاب إلى مخيمات العودة, لكن أمه رفضت بشدة ولم ترضَ له الخروج من المنزل فحبسته في غرفة من غرف البيت, ولكن محمدا رحمه الله لم يتحمل أن يبقى يشاهد الأحداث على التلفاز, فقفز من الشباك وذهب إلى مخيمات العودة".

ومضى الجد أبو خليل بالقول:" كان دائماً يحب لعب كرة القدم، وكان حنوناً جداً وطيب القلب، يحب جميع إخوته، ولم أشعر يوماً بأنه يفرق بين إخوته وأخواته في المعاملة، كان بارًا جداً بوالدته ولا يرفض لها طلبا".

"فلسطين" حاولت نقل الحديث إلى أخ الشهيد محمد, حيث قال: "يحتل محمد الترتيب الثاني بين إخوته، وفي كل جمعة منذ بداية الأحداث كنا نمنعه من الذهاب أنا وأمي، ولكنه يرفض بقوة، ملقيًا لنا بكلماته أن لدي الحق في الدفاع عن أرضي".

غازي شقيق الشهيد, لم تسعفه الكلمات للحديث عن أخيه "محمد"، حتى أن صوته بالكاد كان يسمع من شدة حزنه عليه، لكنه أكمل: "في هذه الجمعة لم نكن في البيت, لا أنا ولا أمي, خرج محمد من البيت دون علمنا, وذهب ليشارك في المسيرة كعادته, وكنا أنا وأمي في طريق العودة للمنزل, وإذا بهاتف أمي يرن، وكان المتصل أحد أقربائي من المشفى يخبرنا بأن محمد ذهب ولن يعود".

لم يكن الشهيد محمد يحمل بندقية، فقط شارة النصر علت جسده النحيل لتقول للمحتل نحن هنا, لا صوت يطلقه محمد إلا لغة جسده كي يبقى الوطن في قلوب أبنائه، وكان القاتل يراقب الفتى كي يقتله.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في آخر إحصائية صدرت عنها، عن إجمالي اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المشاركين في مسيرات العودة وكسر الحصار في جمعتها الخامسة والعشرين شرق قطاع غزة، حيث استشهد ثلاثة مواطنين منهم طفل، وأصيب 248 مواطنًا (من الإصابات 6 حالات خطيرة و 18 طفلا ومسعفان)، وحوّلت 120 إصابة من النقاط الطبية للمستشفيات، منها 80 إصابة بالرصاص الحي.