فلسطين أون لاين

احتفظ بمسافات آمنة

​وازِن واعتزل ما يؤذيك

...
غزة - مريم الشوبكي

الإنسان اجتماعي بطبعه وتعتبر كل من العزلة ومخالطة الآخرين طرفي نقيض وعلى الإنسان الحكيم الموازنة بين تلك الأضداد، فبعض المهام والأعمال في حياتنا تحتم علينا أن ينعم الإنسان بحالة من الهدوء والسكينة، والتي لا ينعم بها إلا باعتزال الآخرين فيغدو متقد الذهن صافي السريرة، مسيطراً على ذاته يستطيع اتخاذ القرارات بحكمة وروية.

راحة البال

الأخصائية النفسية إكرام السعايدة قالت: "العزلة في أحيان كثيرة تنعكس بشكل ايجابي على مستوى أداء الإنسان وإنجازه في عمله وتجعله متميزاً عن الآخرين، لاسيما ما يتعلق بالأفكار الابداعية مثل كتابة مقطوعة شعرية، أو ابتكار حل لمشكلة تؤرق تفكيره، فيخلو بنفسه فيصفو ذهنه؛ ليتجلى له الحل بعد ذلك والتي تستلزم قدراً وافراً من الهدوء والتركيز".

وأشارت السعايدة لـ "فلسطين" إلى أنه لا يمكن إغفال مخالطة الآخرين وأثر التعاون في إنجاز المهمات، خصوصا أن بعض المهام تتطلب تضافر كافة الجهود لتحقيق الهدف المنشود، فلولا تكاتف جهود اللاعبين لما عاد الفريق ظافراً بالكأس.

البعض يفضل الاعتزال ويشتري راحة باله بعيدا عن الغيبة والنميمة، فلا حقد ولا حسد، وآخرون يخالطون ويتحملون أذى الناس بنية أجر الصبر، فهل هذا صواب؟!، أجابت السعايدة: "كلا الأمران صحيح، ولكن لو زاد الشيء عن حده انقلب إلى الضد، حينما نعتزل الآخرين نكسب أجراً، حينما نكف ألسنتنا عن النميمة وخلافها، ونشتري راحة البال في كنف مناقشات عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع".

ونبهت السعايدة إلى أن استمرار الإنسان في العزلة طويلاً قد يدخل في حالة من الوحدة والوحشة والتي حتماً سيدفع ضريبة لقائها من سلامته النفسية فيغدو وحيداً زاهداً في الحياة الاجتماعية.

يفطن لما يدور

ولفتت إلى أنه من جانب آخر الإنسان بمخالطته الآخرين يفطن لمجريات الأمور من حوله ويزداد تفاعله الاجتماعي، وينمو رصيد خبراته ويستفيد من خبرات الآخرين ليتفادى بعض مطبات الحياة، التي قد يتعثر بها، كذلك يجد له مؤنساً يستمع له وقد يضمد جرح قلبه بكلمة ويدثره بدعائه ويجد له رفيقاً يأخذ بيده نحو الصلاح والفلاح.

وأوضحت السعايدة أنه لا شك أن الإنسان اجتماعي بطبعه وهذا فطرة الله التي جبل عليها بني آدم، لذا لا يمكن إغفال التزامه تجاه الآخرين ومسئولياته الاجتماعية التي تقع على عاتقه.

وبينت أنه من خلال مخالطة الإنسان للآخرين عليه أن ينصح هذا، ويقدم المشورة لتلك، ويخصص جزءاً من وقته في خدمة مجتمعه بقدر استطاعته، ولن يستطيع تقديم الخدمة إلا في ظل تعاونه مع الجميع.

وأشارت الأخصائية النفسية إلى أن الإنسان إن لم يستطع القيام بنفع الآخرين فلا يضرهم بطول لسانه وإحباط همتهم، فهنا الاعتزال لتلك الفئة أفضل، بدلاً من أن تسلط ألسنتهم بما يضر من تقزيم إنجازات الآخرين وإحباط همتهم.

ونبهت إلى أن البعض قد يتقبل الوحدة على مخالطة الناس وسجال الحياة، والبعض الآخر يجد العكس فتلك نفس بشرية تختلف في طباعها، فشعور الوحشة والوحدة مهلك لصاحبه، يجعله منطوياً عن ذاته، مغيب عن واقعه، ضعيف الهمة، فاتر العزم، وسجال الناس متعب للقلب، منهك للبال مدعاة للفتن والمشكلات.

وعن إمكانية جمع الإنسان محاسن العزلة والاجتماع، بينت السعايدة أن الإنسان يستطيع التوفيق بينهما، حينما يعتزل ليصفو بذهنه وينأى بنفسه عن توافه الأمور، وليستعيد سكينته وهدوئه، فتسمو نفسه، وتشحذ همته، ويستعيد نشاطه، فيغدو نير القلب جميل الروح.

ولفتت إلى أن حرص الإنسان أن يجتمع بأفاضل القوم من في حضورهم يكسب منفعة، "ليس شرطاً أن تكون منفعة دنيوية", ويزداد منزلة سواء بالعلم أو العمل أو حتى الشأن، ويكتسب خبرة ويشاورهم في شأن، فيسدوا له أفضل النصائح، ويقدموا لمشكلاته أنجع الحلول.

مسافات آمنة

وأشارت السعايدة إلى أنه في الآونة الأخيرة زادت ضغوطات الحياة بشكل كبير حتى أصبح البعض قنابل موقوتة، وأصبحت الحياة بها من الأذية الكثير الكثير من الفتن ومن الهموم والتي تعصف بالحياة التي نعيشها، وهنا يمكن اعتزال العالم لفترة من الوقت لإعادة استجماع القوة، ومواجهة الصعاب حتى لا تسيطر علينا.

وحثت السعايدة على مخالطة أناس تستقيم بهم الحياة ليأخذوا بالإنسام نحو النجاح ويبعثون الأمل في نفسه، والمحاولة قدر المستطاع تجنب من يكدرون المزاج، وفي حال فرضتهم علاقات مثل العمل الاحتفاظ بمسافات آمنة وسطحية معهم وذلك أدرأ للمشاكل وأريح للنفس.

وأكد أن الخلطة أفضل حينما تدع مواقع "الانفصال الاجتماعي " والتي صنعت علاقات هشة ومشاعر الكترونية، فلا بد من النزول للواقع ومخالطة الآخرين وحفظ الود لذويه، عملا بمقولة سيدنا عمر بن الخطاب "اعتزل ما يؤذيك".