لن يلغي قطع المساعدات الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) تفويضها الممنوح لها بالقرار الأممي في تقديم خدمات الإغاثة والتشغيل لما يقارب من ستة ملايين لاجئ فلسطيني، إلا أنّ إنهاء عمل الوكالة وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين يأتي في إطار الابتزاز السياسي المكشوف، والضغط على الفلسطينيين، لتمرير صفقة القرن، والتي تهدف إلى إسقاط ملفي القدس واللاجئين من مفاوضات الحل النهائي.
سيكون للقرار الأميركي تداعياته وانعكاساته على المنطقة برمتها، خصوصا وأنّ وكالة الغوث التي تستهدفها الإدارة الأميركية شكلت على مدار 70 عاما عامل استقرار للمنطقة. وما محاولات إنهاء دورها في غياب الحل السياسي لقضية اللاجئين إلا محاولة للدفع بالمنطقة إلى دوامة عنف، وحالة من عدم الاستقرار من الصعب السيطرة عليها.
يبرز سؤال مهم: هل يمكن للدول الأخرى التي ستجتمع في المؤتمر الدولي في نيويورك نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة برعاية الأردن والسويد والاتحاد الأوروبي واليابان، إضافة إلى تركيا بصفتها رئيس اللجنة الاستشارية لوكالة الغوث، سد الثغرة الأميركية، وتعويض العجز المالي للأونروا؟
بالطبع، يمكن لهذه الدول تحشيد الدعم المالي والسياسي للوكالة الأممية وتأمين تمويل لميزانيتها بديلا عن الدعم الأميركي ومساعدة وكالة الغوث بالخروج من أزمتها المالية، وتغطية العجز المالي الذي تسبّبه وقف دعم الإدارة الأميركية لوكالة الغوث، لكن هل سيكون هذا الدعم دائما ومستداما؟
ستبقى وكالة الغوث الدولية قائمة، وستستمر في تقديم خدماتها للاجئين حسب التفويض الممنوح لها، لأنّ هناك شبه إجماع دولي على بقاء عملها واستمراره، إلى حين إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين، طبقا لما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194.
وهناك ترجيح بأنّ قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بوقف الدعم المالي بشكل كامل عن وكالة أونروا، لن يؤدي أبدا إلى تفكيكها وتهميش ملف اللاجئين الفلسطينيين، خصوصا في هذه المرحلة، لكن سيبقى هذا الخطر قائما، حيث يمكن لإسرائيل تفعيله، في الوقت الذي تراه مناسبا لمصالحها.
على المدى القصير، قد يؤدي هذا القرار إلى ردود فعل قوية من دول عديدة لن تقبل بسياسة البلطجة الأميركية حيال ملف اللاجئين الفلسطينيين ووكالة أونروا، وستتحرّك لحماية تلك الوكالة، والذود عنها من اعتداءات ترامب وإدارته، فردود فعل وزير الخارجية الألماني، وممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وغيرهما مثال، لكن لا يمكن ضمان ثبات هذه الدول على مواقفها في ظل النظام الدولي الجديد الذي يرسمه ترامب بالتهديد بالإفلاس والابتزاز.
قد تشهد الأيام والأسابيع المقبلة حراكا مكثفا، ليس فقط فلسطينيا وأردنيا، وإنما أيضا عربيا وإسبانيا وأوروبيا وأمميا، لصالح حماية "أونروا" والعمل على حثّ دول عديدة للإسراع في تغطية العجز الذي خلّفه تواطؤ الإدارة الأميركية مع سياسة الاحتلال العنصرية الصهيونية، وتحديدا وقف أميركا تمويل موازنة "أونروا" المخالف للقانون الدولي وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأن هناك إرادة بتحويل "أونروا" إلى الوطن المعنوي للاجئين، عوضا عن تنفيذ حق العودة.
يحق أو لا يحق للولايات المتحدة الأميركية تأييد سرقة الأراضي الفلسطينية والاستعمار الصهيوني غير الشرعي على الأرض الفلسطينية، وسرقة القدس وضمها إلى (إسرائيل)، إلا أنّ الواقع يقول: إن أميركا باتت تتصرّف، وفقا لأهواء رئيس وزراء العدو الصهيوني، بنيامين نتنياهو.