ثمة فرقٌ بين نقد الفعل السياسي، ونقد الفاعل السياسي، فالناقد للفعل السياسي هو يريد تصحيح مسار يراه خطأ من خلال فكرة يراها صائبة، بينما الناقد للفاعل السياسي يريد تجريح الفاعل السياسي دون التطرق في أغلب الأحيان لعلاج الخطأ.
ومن الأدبيات الواجب توفرها في أي مشتغلٍ بالسياسيةِ أو منشغل بها التحلي بأبجديات تلك الأدبيات، ومنها عدم التعرض لحياة خصمه الشخصية وعدم قول ما ليس فيه، كي يبقى أمام جمهوره من الصادقين.
لكن من يفتقد لأدبيات الخصومة السياسية لا يجد حرجاً في مزج الأمرين كي يخلق صورة مشوهة عن خصمه، ظناً منه أنه بذلك سيكون من الذين"يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" (الكهف 104) لكنه في حقيقة الأمر ومن حيث لا يدري من الذين (خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً) (التوبة 102).
نقد الفعل السياسي هو نقد البناء وعملٌ أخلافيٌ بامتياز ينمّ عن رغبة الناقد في رؤية نموذج عمل أفضل مما هو موجود، بينما نقد الفاعل السياسي هو التشويه وعمل يخلو من الأخلاق ولا بد له أن يمتزج بعناصر الكذب والتدليس والخداع، وحذف ما هو موجود من عناصر جميلة الشكل والمضمون، وإحلال محلها عناصر غير موجودة من كذب وافتراء، من أجل إحراز نصر على خصمه.
شخصياً ليس مهمًا عندي الشكل الخارجي لخصمي، فهذا لم يكن من اختياراته، بل يهمني أن خصمي يحترم أصول وقواعد العمل السياسي العام ويسعى لخدمة الوطن والمواطن، ويهمني جمالية وأخلاقية الافكار والرؤي التي يطرحها.
في حالتنا الفلسطينية بل والعربية _وإن اختلفت نسبة الوجود في كل قطر عربي_ يوجد نموذجان :
١_ نموذج ينتقد فعلًا سيء المبنى والمعنى، وسوء هذا الفعل ظاهر للجميع وضرره قد طال الجميع، ويحاول الناقد هنا مساعدة المخطئ على الخروج من دائرة الخطأ إلى دائرة الصواب، لكن المخطئ تأخذه العزة بالإثم، فيكابر ويعاند ولا يستمع لأقوال الآخرين، رغم ادعائه بأنه يرحب بجميع الآراء.
٢_ نموذج يشوّه أصحاب الفعل الأكثر صوابية، فقط للتشويه، لأنه سحب بساط التأثير من تحت قدميه، دون أن يستند في تشويهه إلى ما يقنععقول الجماهير.
في الفترة الأخيرة ظهرت حملة منظمة لتشويه الأمين العام لحركة الأحرار الفلسطينية الأخ خالد أبو هلال، حيث تم اطلاق وابل من قذائف الحقد والضغينة عليه بحكم أنه شارك في لقاءات المصالحة بمصر، وتم التعرض لحياته الشخصية، ووصفه بأوصاف غير لائقة، وتنم عن قلة وعي مطلقيها بآداب الخصومة ، وأنه خائن لأنه خرج من صفوف حركة فتح وتعاون مع حماس.
ومن باب تفنيد الرأي بالرأي والحجة بالحجة ، والمجادلة بالتي هي أحسن فإني سألقي عدة أسئلة في وجوه الذين يقفون خلف مسلسل التشويه تأليفاً وتمويلاً وترويجاً:
هل ترك الإنسان للمنهج الفاسد والانضمام لمنهج أكثر صلاحاً يعتبر خيانة؟ فإن كانت الاجابة بنعم؟ فأنعم بها من خيانة، ثم ما الذي منعه من البقاء في زمرة من ظهر فسادهم في البر والبحر؟ وهل يا ترى لو بقى في كنف الفاسدين سيُروج له على أنه بطل ومناضل؟
إن نقد الفعل السياسي، ونقد الفاعل السياسي، ليست حالة مزاجية، فهي أمر يحتاج فطنة عقلية كبيرة مبنية على أفعال وحقائق، فلو افترضنا أن عباس سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني وسمح للمقاومة بالعمل في الضفة، وأطلق العنان للمقاومة الفلسطينية ودعمها لتحمي فلسطين وأهلها، هل سأبقى على موقفي القديم منه بأنه تنازل عن حقوقنا ؟ من الطبيعي أن تكون الاجابة (لا ) بل سأكيل له المديح والثناء ،لأنه عاد لجادة الصواب، وتماشى مع فطرة أي كائنٍ حيٍّ بضرورة مقاومة من يسرق حقه وعدم الاعتراف به.
ولو افترضنا أن حماس حادت عن طريق المقاومة، واعترفت بالكيان الصهيوني ودعت العرب للتطبيع معه، هل سيكون موقفي منها كما هو الآن؟ من العار أن تكون الاجابة "نعم" لأنها بهذا تحيد عن الفطرة السوية.
سيبقى التأكيد واجباً بأن العمل السياسي يصبح عقيماً إن لم يتمتع صاحبه بدوافع أخلاقية، وعلى ضرورة دعم الفكرة الأخلاقية التي تنسجم مع إسلامنا ووطننا بغض النظر عمن يطرحها، وضرورة مقاومة الفكرة التي لا تجد قبولا دينياً ووطنياً بغض النظر عمن يطرحها ، فبالبقاء للفكرة الأفضل.
ومن المحقق عندي وعند الكثير من الشرفاء بأنه ليس غريباً تشويه الشرفاء والمخلصين، فتجارب التاريخ تؤكد أن ألسنة المنافقين والجبناء والعملاء لم تهدأ عن قذف الشرفاء، ولا يبدو أنها ستهدأ، وهذا تشويه تعرض له الانبياء ومن سار على دربهم، حتى أن الكفار اتهموا النبي عليه الصلاة والسلام بعرضه في حادثة الإفك.
لعل الأمر خير، فمن يقول عنك ما ليس فيك ،فقد خدمك من حيث لا يدري ،فهو يعزز حضورك عند الشرفاء، ويزيد الفضول عند المذبذبين من الناس ليعرفوا عنك أكثر وأكثر، وحينما يتأكدوا أن ما سمعوه عنك هو كذب وافتراء ،سيزيد احترامهم لك وسيزيد احتقارهم لمن قال عنك الكلام القبيح.