أعلنت دويلة الاحتلال «الإسرائيلية» مؤخراً أن جيرمي كوربن زعيم حزب العمال البريطاني، عدو لـ«إسرائيل» ومعادٍ للسامية، وقالت فيه ما لم يقله مالك في الخمر: الحملة «الإسرائيلية» الجديدة هي استمرار للحملة الشرسة عليه التي أثارتها دويلة الاحتلال في سبتمبر/أيلول عام 2016، حين فاز بزعامة حزب العمال. وكوربن معروف بتضامنه مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية، ومعروف أيضاً أن «حزب العمال البريطاني» هو أكبر حزب سياسي في غرب أوروبا.
لقد سعى كوربن إلى التضامن مع شعبنا منذ سنوات طويلة وحتى اللحظة. وكان قد تعهد في مناسبات عديدة سابقة بالعمل على فرض حظر على بيع الأسلحة ل «إسرائيل». ولطالما هاجم كوربن سياسات الكيان خلال 34 عاماً من عضويته في البرلمان، وأعرب مراراً عن تأييده لمقاطعة «إسرائيل». وسبق له أن زار غزة عام 2014.
كوربن رجل شجاع، وقد صوّت 553 مرة في البرلمان ضد موقف الحزب. ومع ذلك فقد تسلّم رئاسته بفوز احتل فيه 61.8% من أصوات المندوبين. وكان صوّت ضد مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق، وهو مع نزع السلاح النووي، وضد السيطرة البريطانية على شمال إيرلندا، وقد كان ناشطاً في «أمنيستي» ضد دكتاتور تشيلي السابق أوجستو بينوشيه، واعتقل في تظاهرات ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وهو ضد الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية.
عادت الحملة في دويلة «إسرائيل» على كوربن بأشدّ مما كانت عليه، بسبب احتمال تشكيله للحكومة البريطانية القادمة وتراجع حكومة تيريزا ماي في قضايا اقتصادية كثيرة متعلقة بحياة البريطانيين، بدورها، فإن الصحافة «الإسرائيلية» جعلت من كوربن هدفاً لتشويه سمعته والتشويش عليه، تؤازرها بالطبع أوساط متنفذة في حزب المحافظين وجماعات اللوبي اليهودي في بريطانيا والحاخامات، وما يسمى بأحزاب «اليسار الصهيوني». ففي حملة التحريض على كوربن، وفي تصريح لناطق باسم حزب العمل ( الذي يعتبر في بعض الأوساط العربية بأنه حزب معتدل !) قال «إن كوربن هو عدو للسامية ولليهود ليس في بريطانيا فحسب، بل في كلّ أنحاء العالم». ردّ عليه عضو في حزب العمال البريطاني هو بيتر ولسمان معتبراً «الحاخامات الذين دانوا حزبه باللاسامية «متعصبين لترامب»، ما يدلل على أن أوامر صدرت من حكومة نتنياهو ببدء حملة واسعة على كوربن. وبالفعل، فإن المؤسسة اليهودية في بريطانيا وأجهزة الدعاية الحليفة لها وقّعت اتفاقاً بشأن إحباط انتخاب كوربن، فهو من وجهة نظرها «شخص لاسامي وحزب العمال لاسامي»، وأن الحياة اليهودية في بريطانيا باتت في «خطر وجودي».
الصحفي جدعون ليفي في «هآرتس»، وهو معروف بامتلاكه بعضاً من ضمير! يتساءل قائلاً: «لماذا يعتبر الرئيس الفلبيني رودريجو دوترتي الذي دعا إلى الآلاف، ضيفاً مرغوباً به في «إسرائيل» فيما يعتبر كوربن عدواً «للشعب» اليهودي؟ ويصل إلى نتيجة مفادها «من يرد أن يرى العالم وهو يعمل ضد الاحتلال «الإسرائيلي» يتوجب عليه أن يحلم بكوربن»، ويستطرد...«علينا القول إن كوربن هو معارض شديد ودائم لسياسة الاحتلال «الإسرائيلي». هذا حقه.. إنه رجل يسار حقيقي.. لذا فهذا واجبه». جدير ذكره أن كوربن قال قبل بضعة أيام في مقالة له نشرها في صحيفة «الجارديان» البريطانية، إن «اللاساميين ليس لهم مكان في حزبه، وأن محاولة تقليص ما يعتبر لاسامية في الحزب إن وجدت، لا تحوّل حزب العمال بالضرورة إلى حزب لاسامي». ويستطرد، «ولكن الدعاية اليهودية -«الإسرائيلية» كالعادة عندما تسن«إسرائيل» قانون الإبرتهايد، وتقتل على حدود قطاع غزة 160 متظاهراً غير مسلح، فإن المعنى الوحيد لاتهام كل من ينتقد ذلك باللاسامية هو اتهام بعيد عن الواقع بل هو اتهام أخرق!».
يبقى القول: إن حرب الإبادة الجماعية التي شنتها ولا تزال دولة الاحتلال علينا كفلسطينيين وعرب منذ ما قبل إنشائها وحتى اللحظة، هي حرب واضحة لدى معظم دول العالم في عدوانيتها، حيث تتعاظم فيها الأصوات المؤيدة لحقوق شعبنا وأمتنا، لكننا للأسف نقف عاجزين من أجل دعم هذه الأصوات، وليس لدينا الخطط لمد جسور التعاون معها!
نستذكر ما قالته الكاتبة البريطانية إيتيل مينون صاحبة كتاب «الطريق إلى بئر السبع»، عام 1955 من أن العرب "هم أسوأ المدافعين عن أعدل قضية".