يرتدي إسماعيل الطلاع ملابس منزلية ويرفق معه حقيبة يطغى عليها اللونان الأسود والأزرق، وفيها المزيد من الملابس والغيارات، أثناء اعتصامه في خيمة أقيمت داخل المقر الرئيس لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في مدينة غزة.
ويتخذ الطلاع وآخرون ساحة مقر المنظمة الأممية مكانًا للاعتصام السلمي وإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام احتجاجًا على فصل قرابة ألف موظف.
وعُلِّقت على الخيمة التي احتضنت المضربين عن الطعام منذ أسبوع، لافتة عند مدخلها كتب عليها "HUNGER STRIKE"، وتعني بالعربية إضراب عن الطعام.
وتحلق المضربون حول صحن مملوء بالملح، يذاب بالماء قبل شربه عند الحاجة إذا ما استمر إضرابهم وأدى لتداعيات خطيرة على أمعائهم وحالاتهم الصحية.
وانتابت حالة من الغضب الطلاع البالغ من العمر (38 عامًا) ويعيل أسرة مكونة من 9 أفراد، وهو يتحدث لأحد زملائه عن تداعيات إنهاء عمله في الأونروا.
لكن أكثر ما يثير قلقه الالتزامات البنكية وكيفية تسديدها بعد فصله بحلول نهاية آب/ أغسطس الجاري.
وتساءل وبدا غاضبًا: "هل سيكون مصيري السجن إذا لم أسدد التزاماتي المالية بعد أن أخذت ورقة من الوكالة بضمان تحويل الراتب إلى البنك لسداد قيمة الالتزام المالي خلال 10 سنوات؟".
ويضيف "حتى اللحظة لم يصلنا أي ردود إيجابية من إدارة الأونروا، وهذا يدفعنا إلى تصعيد الاحتجاج السلمي في الفترة المقبلة تحت الإطار النقابي للموظفين".
وكان اتحاد موظفي الوكالة أكد عدم وجود مفاوضات حقيقية مع إدارة "الأونروا" وهدد بالإضراب الشامل.
لكن الطلاع وهو من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة؛ يقول "إننا مستمرون في الإضراب.. إما حل قضيتنا أو الموت جوعًا".
وكان هذا الرجل واحدًا من مدرسي التدريب اليدوي في مدارس الأونروا، قبل إغلاق هذا البرنامج في 2011، وتحويله إلى منسق مبادرة الاحترام والانضباط في مدارس المرحلة الإعدادية".
ولاحقًا جرى تحويله إلى داعمين نفسيين ضمن برنامج الطوارئ، بعد أن تلقى تدريبات وغيره على يد مختصين أوروبيين وأمريكيين.
ويعرف أن برنامج الطوارئ التابع للأونروا، يضم خمسة برامج أساسية: برنامج الصحة النفسية، برنامج خلق فرص عمل (البطالة)، مراكز توزيع الكوبونات والمساعدات الغذائية، والأمن، والتوريدات.
ولم يتكرر مشهد اعتصام موظفي الأونروا بهذا الشكل داخل المقر الرئيس لها، وحالَ هؤلاء المعتصمون دون وصول مدير عمليات وكالة الغوث الأممية في غزة ماتياس شمالي، إلى مكتبه.
ليس ذلك فحسب، لقد علقت إحدى السيدات المفصولات من عملها، بوسترًا على بوابة مكتب شمالي وكتبت فيه: "منزل السيدة نورا رزق وعائلتها الكريمة من الآن فصاعدًا حتى إلغاء القرارات".
وأمام المكتب، صنع المعتصمون قبرًا رمزيًا، وعلقوا بجانبه لافتات خُطت عليها شعارات مناوئة لقرارات الفصل التي اتخذتها إدارة الوكالة.
وهو ما يندد به أحمد حامد (35 عامًا) الذي أمضى من عمره عملاً في الوكالة أكثر من 20 عامًا متتالية.
ويهيمن الخوف على وجه حامد، خشية على مستقبل نجله الذي يدرس الطب، وبنتيه الجامعيتين اللتين تدرسان الرياضيات والعلوم.
ويقول لـ"فلسطين" إن خبر الفصل وقع كالصاعقة على عائلتي.. قرارات الفصل تعسفية لا تجوز حسب قانون التوظيف في الوكالة".
أما صبري المعلواني (36 عامًا)، الذي كان يعمل على برنامج الصحة النفسية، وتمَّ تحويله إلى عقد جزئي حتى نهاية العام، كان يتساءل وهو معتصم داخل مقر الوكالة، عن سبب اتخاذ قرار الفصل.
وكانت الوكالة قالت في عدة مناسبات إن الأزمة التي تتعرض لها ماليًا ناتجة عن ضغوطات سياسية على المنظمة الوحيدة التي ترعى اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملها الخمس (قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، سوريا، لبنان)، بعد إعلان رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب تقليص نسبة المساعدات المالية المقدمة للأونروا.
واعتبر المراقبون الإجراء الأمريكي، استهدافا علنيا لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم المحتلة إسرائيليًا.
وقال المعلواني لـ"فلسطين": لطالما أن الأونروا منعتنا طوال السنوات الماضية من العمل في القضايا السياسية أو التدخل فيها، فكيف لها اليوم أن تفصلنا بناءً على أزمة مالية أساسها السياسة كما أعلنت مسبقًا".
بينما يقول مصطفى رشيد الذي يعمل في الأونروا منذ 18 عامًا، من داخل الخيمة المقامة في مقر الوكالة، إن الإضراب جاء لأن قضيتنا بقيت على حالها، ولم يتم حلها".
ويبدو رشيد (44 عامًا) مصرّا على مواصلة الإضراب، حتى لو أثر ذلك على حالته الصحية مثلما جرى ما زميله ماهر الملخ من برنامج الصحة النفسية الذي نقل قبل أيام إلى المستشفى في حالة إغماء بعد إضرابه عن الطعام لأربعة أيام.
وبحسب اتحاد موظفي الأونروا، فإن إدارة الوكالة أنهت عقود عمل 125 موظفا بحلول آب/ أغسطس المقبل، وحولت 580 آخرين إلى نظام العمل الجزئي حتى نهاية العام، فيما لم تجدد عقود 280 آخرين بحلول نهاية 2018، وجميعهم مدرجون على برنامج الطوارئ.