يعتبر الفوز بالجنة هو غاية ما يسمو إليه المؤمن؛ لذا ربط النبي u بين دخول الجنة وبين إفشاء السلام، بل دون إفشاء السلام المعزز للمحبة بين أفراد المجتمع يحرم المسلم من أغلى ما يطمح إليه وهو دخول الجنة، وذلك لكي يؤكد على أهميته وضرورة الالتزام به، يقول النبي u: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
فلا جنة دون إيمان ولا إيمان دون محبة، ولا يمكن تحصيل المحبة إلا بإفشاء السلام، وقد أكد النبي على هذا المعنى بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلاَمَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ».
وإفشاء السلام يقتضي أن تسلم على من تعرف ومن لا تعرف، ومن لوازمه إعطاء الأمان لأهله، عن أنس: «السلام تحية لملتنا وأمان لذمتنا» وعن ابن عباس: «السلام اسم من أسماء الله عظيم جعله ذمة بين خلقه فإذا سلم المسلم على المسلم فقد حرم عليه أن يذكره إلا بخير».
ففي الأثر تذكير بعظمة هذه التحية وتعلقها بالله وهي ذمة وعهد يقتضي رعاية الحقوق، وهذا يدل على أن السلام ليس مجرد تحية مفرغة من المضمون، بل هي تحية تحمل دلالات مهمة لعل من أهم لوازمها إعطاء الأمان في النفس والمال والعرض والدعوة بالخير للغير.
وليست العبرة بالتحية إلا بقدر ما تحمل من معانٍ، وإلا فإن من علامات الساعة أن تتباش الوجوه وتتلاعن القلوب، فرد السلام مع البسمة لكن يرافقه فساد القلب وحقده لا يعد إفشاءً للسلام بمفهومه الإسلامي، فإفشاء السلام يقتضي المسالمة القلبية والمسامحة الروحية المُعبر عنها من خلال اللسان بلفظة تدل عليها صراحة، ومن هنا كان السلام بهذا المضمون من مكفرات الذنوب مما يشير إلى تعلقه بحالة قلبية نقية سليمة، يقول النبي: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ U وَاسْتَغْفَرَاهُ غُفِرَ لَهُمَا».
هذه هي ثقافة الإسلام، إنها ثقافة إفشاء السلام بكل ما يحمله إفشاء السلام من معاني الرحمة والأمن والبركة والخير، بل قول النبي u: "افشوا السلام" معناه أوسع من الإفشاء اللفظي فهو بمعنى أفشوا كل معاني السلام بينكم، أو اجعلوا ثقافتكم فيما بينكم مبنية على السلام والمسالمة ومعاني المحبة.