بين الفينة والأخرى يعتدي الاحتلال الصهيوني على غزة قصفًا بالصواريخ، فترد المقاومة وفق نظرية القصف بالقصف، فيتدخل الوسطاء لتهدئة خواطر الطرفين وصواريخهم، فتعود المياه إلى مجاريها.
أمام هذا المشهد الذي يكاد يكون أسبوعيًّا _خاصة منذ بدء مسيرة العودة_ تتضارب الآراء بين من يرى الحرب أنها قاب قوسين أو أدنى، ومستبعد لها بالنظر إلى أن الجبهة الشمالية لم تعد بالهدوء الذي كان سائدًا سابقًا.
وقبل البدء بذكر دوافع العدوان ودوافع عدم شن العدوان الواجب قوله إن فكرة شن عدوان شامل على غزة هي ليست فكرة فردية أو حزبية، بل هي رؤية جماعية يتفق عليها الكثير من الصهاينة من ساسة وعسكر وأمن وكتاب ومفكرين، هم يريدون حربًا، لأن كيان الاحتلال لا يمكنه العيش دون حروب، فهو ينظر إلى الحرب على أنها وسيلة مهمة لإثبات ذاته أمام الآخرين، وإن الحيرة في موقفهم من عدوانٍ جديدٍ شاملٍ على غزة هي حيرة ليست في فكرة الحرب من عدمها، بل في إمكانية تحقيق الحرب نتائج تشرح صدورهم، فهم يرغبون في نتائج إيجابية، لكنهم لا يرغبون في دفع تكلفة تنفيذ رغباتهم وتحقيق أمنياتهم.
أولًا: دوافع الحرب: لماذا قد يشن كيان الاحتلال عدوانًا على غزة؟
1_يريد قادة الاحتلال تصدير أزماتهم الداخلية تجاه غزة بشن عدوان عليها، لتحسين صورتهم أمام جمهورهم الذي يصفهم بالعجزة أمام الإبداع الفلسطيني الجديد (الطائرات الورقية).
2_ تقليم أظافر غزة كي لا تنمو أكثر من ذلك وتصل إلى مرحلة لا يمكن تقليمها.
3_ استثمار حالة التشتت العربي الرسمي وتسارع الكثير من الأنظمة تجاه التطبيع مع الاحتلال.
4_ وضع حد للبالونات والطائرات الورقية.
5_ وجود ترامب في البيت الأبيض هو فرصة ذهبية لشن عدوان على غزة، لأنه لن يدعو إلى ضبط النفس بل سيعطي الكيان ضوءًا أخضر: "اذبحوا غزة، أبيدوا أهلها".
6_ رغبة صهيونية في تجريب الجديد من الأسلحة.
7_ رغبة الاحتلال في معرفة حجم ونوعية التعاون الذي ستقدمه له أنظمة عربية، خاصة التي تلهث وراء التطبيع معه.
8_ الحرب هي فرصة لإظهار أسلحة المقاومة وكميتها، وبذلك تعمل على نفاد أسلحة المقاومة.
9_ يرغب كيان الاحتلال في إعادة جنوده المأسورين لدى كتائب القسام.
ثانيًا: لماذا قد لا يشن كيان الاحتلال عدوانًا على غزة؟
1_ لأن الاحتلال لا يريد خسارة أي من جنوده في غزة أمواتًا أو أسرى لدى المقاومة.
2_ لأن جبهة العداء للكيان على المستوى الشعبي العالمي هي في تصاعد، خاصة مع زيادة التفاعل مع حركة المقاطعة العالمية.
3_ لأن المقاومة تطورت من حيث الوسائل والأدوات، والاحتلال لا يرغب في إعطاء فرصة للمقاومة كي تظهر قوتها، وتزيد من تعاطف العالم شعبيًّا _على الأقل_ معها.
4_لأن عدوانًا جديدًا على غزة قد يعني ارتفاع منسوب الغليان في الضفة الغربية الساخطة على سياسة عباس تجاه القضية الفلسطينية، ما قد يؤدي إلى انهيار السلطة، وأي انهيار للسلطة في الضفة يعني فتح المجال أمام عمليات فدائية نوعية انطلاقًا منها، وقد تعود فكرة العمليات الاستشهادية.
5_ لأن السلطة بالتنسيق مع أنظمة عربية تعمل على تدمير غزة ومقاومتها بالإجراءات الظالمة التي تفرضها السلطة على غزة، وحالة الخذلان العربية الرسيمة لغزة كفيلة بأن تحقق للكيان الصهيوني ما يصبو إليه دون أن يخسر من موارده المادية أو البشرية شيئًا، ودون أن يخسر سمعته خارجيًّا.
وإني أميل إلى الفريق القائل إن جولات مثل هذه الجولات التصعيدية تخدم الاحتلال أكثر من عدوان شامل، لكن أن ميلي إلى هذا الفريق لا يعني مطلقًا أن نأمن جانب العدو الصهيوني، بل إن تراكم القوة مع بقاء الاستعداد ورفع مستوى اليقظة والجاهزية إلى أعلى مستوى هو أمرٌ واجب، كي لا نُؤخذ على حين غرة، فالغدر في الفكر الصهيوني منهج حياة، ولنا في القرآن الكريم خيرُ محفزٍ على بقاء المسلم يقظًا لتصرفات اليهود الذين يتمتعون بصفات الغدر والخيانة.