قبل أيام قليلة، كانت ساحة مكتب مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزة ماتياس شمالي، خالية تمامًا إلا من الذين يتطلب عملهم التواجد فيها أو المرور عبرها. في غضون هذا؛ كان شمالي ذو الأصول الألمانية، يتنقل بين أروقتها الواسعة ذات الأطراف المكسوة بالإنجيل الأخضر، بحرية كاملة.
إلا أن هذا الأمر لم يعد متاحًا بعد أن حولها موظفون مفصولون بقرار من إدارة الوكالة التي تخدم اللاجئين الفلسطينيين، إلى محل إقامة لهم ولعائلاتهم منذ الأربعاء الماضي، حيث قررت "أونروا" فصل نحو ألف من موظفيها في قطاع غزة.
وعلقت إحداهن "بوستر" على بوابة مكتب شمالي وكتبت عليه: "منزل السيدة نورا رزق وعائلتها الكريمة من الآن فصاعدًا حتى إلغاء القرارات".
وتجلت معالم الغضب على جميع المشاركين في الاعتصام من الرجال والنساء وأبنائهم.
وعلى إثر قرارات الفصل هذه، أعلن اتحاد موظفي الوكالة الدخول في "نزاع عمل" (خطوة نقابية احتجاجية) مع إدارة "أونروا"، لمدة 21 يومًا.
وبحسب الاتحاد، فإن "أونروا" أنهت عقود عمل 125 موظفا بحلول آب/ أغسطس المقبل، وحولت 580 آخرين إلى نظام العمل الجزئي حتى نهاية العام، فيما لم تجدد عقود 280 آخرين بحلول نهاية 2018، وجميعهم مدرجون على برنامج الطوارئ.
وعلَّق المشاركون من هؤلاء في الاعتصام لافتات كتبوا عليها شعارات دلت على مدى الغضب الذي يعتري صدورهم بفعل قرارات إدارة "أونروا"، بحجة الأزمة المالية التي أعقبت قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقليص المساعدات التي تقدمها بلاده لها.
وأبرز هذه الشعارات "لا للإرهاب الوظيفي.. قطع الأرزاق من قطع الأعناق".
إعدام اللاجئين
لكن الهتافات والشعارات لم تشف غليل اللاجئ مصطفى رشيد -من قرية صرفند العمار الواقعة في الأراضي المحتلة سنة 1948- الذي فوجئ بقرار فصله بعد عمل استمر منذ أيلول/ سبتمبر 2000 .
وكان رشيد البالغ (44 عامًا)، يعمل بالتدريب اليدوي في مدارس "أونروا"، قبل أن تحوله إدارتها إلى برنامج الصحة النفسية على برنامج الطوارئ.
وتثقل المسؤوليات كاهل رشيد الذي يعيل أسرة مكونة من 9 أبناء بينهم طلبة جامعيون، بينما هو ملزم ماليًا بتسديد 200 دولار شهريًا بسبب قروض حصل عليها.
ويستغرب بشدة استغناء "أونروا" عن ألف من موظفيها بهذه الطريقة. "فلم نعهدها من قبل" كما يقول.
"ماتياس شمالي، يقول إنه ليس صاحب قرار، وإن الفصل تم من خلال جهات عليا، لكنه هو الأعلم بحال غزة وسكانها، ووجوده فيها لمساعدة اللاجئين لا لإعدامهم" قال رشيد وبدا غاضبًا.
ويستفيد من الخدمات اللي تقدمها وكالة "أونروا" في غزة وحدها مليون وثلاثمائة ألف لاجئ، بحسب اتحاد الموظفين في الوكالة.
لكن هذه الخدمات ستتأثر بتقليص العاملين في الوكالة، ممن كانوا على برنامج الطوارئ.
وتقول الأخصائية الاجتماعية العاملة على برنامج مسح حالة الفقر في الوكالة هالة تمراز، وهي من اللاتي قررت "أونروا" إنهاء عقودهن مع نهاية آب/ أغسطس: إن بعض العائلات في غزة لولا الكوبونة التي تحصل عليها لماتت من الجوع. فماذا ستفعل الآن من دون باحثين أو خدمات تقدم لهم؟".
وتبدو تمراز وهي لاجئة من بلدة أسدود المحتلة، في غاية القلق على مستقبل أبنائها وعائلتها بعد قرار الفصل هذا، خاصة أن لديها التزامات مالية كبيرة تشمل ثمن الشقة السكنية التي تسكن فيها ومصاريف جامعية لاثنين من أبنائها، أحدهم يدرس الهندسة المعمارية بتكلفة تصل لـ700 دينار في الفصل الواحد.
وفي ساحة الاعتصام، كان إسماعيل الطلاع أحد المتضررين من قرار الفصل، من أكثر المستغربين من فصل الأونروا 1000 موظف تكلفة رواتبهم حتى نهاية العام قرابة 4 ملايين دولار، في حين أن فصلهم ومنحهم حقوقهم المالية كاملة، يصل إلى 12 مليون.
وقال: هذا يثبت أن الأزمة سياسية وليست مالية.
وجاءت صافيناز عيسى أخصائية اجتماعية تعمل على برامج الطوارئ، من مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، للاعتصام في مقر "أونروا" الرئيسِ في غزة، وأحضرت أصغر أبنائها يوسف (9 أعوام).
وتقول عيسى وهي لاجئة من قرية صرفند الخراب، الواقعة في أراضي الـ48، عن قرار الأونروا، إنها فوجئت بفصلها مع نهاية الشهر المقبل.
ووصفت قرار فصلها هذا، كما لو أن صاروخًا حربيًا سقط عليها دون ارتكاب أي ذنب، "فأنا لدي 3 من أبنائي يدرسون الجامعة".
وأضافت: هذا الأمر لم يتكرر من قبل في "أونروا". غالبية المفصولين مرتبطون بذمم والتزامات مالية كبيرة.
والأربعاء الماضي، عندما عادت عيسى إلى بيتها في رفح، سارع ابنها يوسف راكضًا إليها ليسألها: هل فصلتك الوكالة من عملك.. الآن كيف سنعيش؟.
وهذا هو حال المفصولين بقرار من إدارة وكالة "الأونروا".