بات قطاع غزة هو الشغل الشاغل لدوائر صنع القرار الإسرائيلي، تعقد من أجله الجلسات، وتنظم المؤتمرات، وتعلن التصريحات، في حين لا يأتي الإسرائيليون على أي ذكر للضفة الغربية، لا سياسيا ولا أمنيا، مع أنها يفترض أن تكون ساحة الصراع الحقيقية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بإقرار الجانبين، واعترافهما.
تطرح الأسئلة هنا: لماذا تصدرت غزة الأخبار، وغابت الضفة عنها، ولماذا أصبحت غزة حديث الإسرائيليين والمجتمع الدولي، ولا يأت أحدهم على الحديث عن الضفة وما يجري فيها، إلا لماما، من أجل حفظ ماء الوجه، ليس أكثر؟
لا شك أن تطورات الوضع الأمني، وحالة الاستنزاف التي تشكلها غزة للكيان الإسرائيلي: أمنيا وسياسيا، جعلها في صدارة الأحداث، وهي لما تكن كذلك قبل اندلاع مسيرات العودة أواخر مارس آذار، في حين تراجعت التغطية الصحفية عن الضفة الغربية، لأنها لم تعد مركزا لصناعة الخبر، لا أمنيا ولا سياسيا..هكذا باختصار، وهو ما يؤسف له!
وفي ظل حالة العجز السياسي والأمني التي تنتاب إسرائيل تجاه تطورات وتفاعلات الوضع الأمني في غزة، فقد بات الإسرائيليون يتناقلون أخبارها لأنها تلقي بظلالها السلبية عليهم، سواء من كانوا في مستوطنات الغلاف، المتأثرين مباشرة بأحداثها، أو أولئك البعيدين نسبياً في تل أبيب وما حولها، الذين قد يصبحون في مرماها، إن اندلعت مواجهة واسعة.
أما في الضفة، فقد بسطت إسرائيل سيطرتها الميدانية، وفرضت برنامجها السياسي، بحيث إن أجهزتها الأمنية وجيشها الاحتلالي يجوب الضفة وشوارعها ليل نهار، دون إزعاج من أحد، ويتجول المستوطنون في مدنها وبلداتها في وضح النهار، وعلى عينك يا تاجر.
أما عن مسيرة المفاوضات مع السلطة المجمدة منذ 2014، فهي ما زالت على حالها، وبالتالي فلم يعد يتعدى الخبر السياسي في الضفة سوى لقاء نادر للرئيس مع هذا الضيف أو ذاك، أو اجتماع أسبوعي باهت للحكومة، تصدر فيه قرارات إدارية، أشبه ما يكون ببلدية موسعة، وليس حكومة سياسية.
هذا هو الوضع المثالي، أو الأقرب إلى المثالية لمزيد من الدقة، الذي سعت إليه إسرائيل في الضفة الغربية، سيطرة أمنية مطلقة عبر الجيش والشاباك، وتبعية إدارية محكمة للإدارة المدنية، تمهيدا لتثبيت وقائع الحكم الذاتي على الأرض.
تبقى معضلة غزة، التي تبذل فيها إسرائيل جهودها الأمنية والسياسية لإيجاد حل لها، فإن تمكنت، كما تأمل، عبر مسكنات مؤقتة، فقد تحقق لها ما تريد مع الفلسطينيين جميعاً، بعضهم بالعصا وآخرون بالجزرة، مما يضع أسئلة ثقيلة العيار على صناع القرار الفلسطيني، الذين ساهموا، من حيث قصدوا أو لم يقصدوا، بوصول حالتهم الوطنية إلى هذه المآلات الكارثية، التي لا تسر صديقا ولا تحزن عدوا!