فلسطين أون لاين

​ثقافة "الجود من الموجود".. بساطةٌ غابت وزادت معها التكاليف

...
غزة - هدى الدلو

كان الشخص إذا حل ضيفاً بُسطت حوله الضيافة مما في البيت من مشروباتٍ وأطعمة، دون تكليفٍ أو إسراف، أو أن يشعر المضيف بمشقة الضيف، حتى غدت ثقافة لدى الآباء والأجداد عنوانها "الجود من الموجود".

مر الزمن وتبدّلت الأحوال، وأصبح في كثير من الأحيان يشعر المضيف بمشقة استضافة ضيفه، ويشعر الضيف بالحرج لتسببه بتحميل صاحب البيت فوق طاقته، حتى أصبح البعض يمقت زيارة الآخرين لما تحمله الزيارة من تكلفة و"كبر جهد".. فما سبب غياب البساطة؟ وكيف أثر ذلك على طبيعة العلاقات الاجتماعية؟

رئيس قسم الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في الإدارة العامة للصحة النفسية إسماعيل أبو ركاب، أجاب بالقول: "باعتقادي أن مجتمعنا من المجتمعات التي تشتهر بالكرم والجود، وهذه الطباع موروث اجتماعي وديني قديم، كان يتناسب مع الوضع المادي في حينه، بمعني أن أغلب الأسر في ذلك المجتمع متساوية في ظروفها الاقتصادية".

وأضاف أبو ركاب لصحيفة "فلسطين": "لذلك لم نجد فجوة واضحة في العلاقات الاجتماعية، وخصوصًا في موضوع التزاور والهدايا والضيافة، ولكن الآن الظروف الاقتصادية غير متساوية، فنجد الفقير والغني وتكاليف الحياة أصبحت مرهقة مع شح الموارد الاقتصادية والدخل المحدود عند أغلب الأسر، فأصبح البعض يفكر في تكاليف الزيارات والمناسبات الاجتماعية قبل موعدها بفترة".

وأشار إلى أن الوضع المادي الصعب واختلاف المستوى الاقتصادي بين الأسر وتكاليف العولمة الباهظة، كل ذلك من أسباب غياب البساطة بين الناس، عدا عن دخول أفكار غربية مستوردة إلى المجتمع من ثقافات أخرى تدعو إلى هدم العلاقات الاجتماعية.

ومن الأمثلة على بعض الأفكار الغريبة، والقول لأبو ركاب، حين نسمع في الزيارات أو في بعض المواقف مثلًا عند استقلال سيارة أجرة، يقول لك أحدهم (احنا طالعين نظام أمريكي) بمعنى أن كل واحد يدفع عن نفسه.

وأوضح أن غياب البساطة سببها العيش في نظام عالمي يدعو إلى سحق المبادئ والنظم الإنسانية من خلال خلق مجتمعات منعزلة، "ففي مجتمعاتنا بعض المفاهيم الموجودة كمواطن ولاجئ، أو فلاح وبدوي، والآن موظف رام الله أو موظف غزة، كل هذه المفاهيم تعمل على تدمير فكرة الروابط الاجتماعية، وتنعكس سلبًا على مفهوم العيش ببساطة داخل هذا المجتمع".

ونبه أبو ركاب إلى أن سبب غياب ثقافة "الجود من الموجود" هو اختلاف المفاهيم خاصة فيما يتعلق بالضيافة وظهور ظاهرة تصويرها مما سبب في تكلفتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ "أفضل العطية ما كان من معسر إلى معسر". ‏وقال‏:‏ "أفضل العطية جهد المقل‏"‏.

وتابع: "باعتقادي الوضع الاقتصادي الجيد يساعد بشكل كبير في دوران العجلة الاجتماعية، فالكل مشغول في عمله ولا وقت لظهور السلبيات والمنازعات، وستزول فكرة عبء الزيارات والضيافة وغيرها من تكاليف العلاقات الاجتماعية".

وبين أن زيادة التعقيد في العلاقات الاجتماعية معناه العملي زيادة في التنافر والمشاكل الأسرية والاجتماعية، حتى تفقد بعض الأسر الثقة في إعادة تلك العلاقات.

ولفت إلى ضرورة التماس العذر للآخرين، فهو أمر واجب في ظل هذه الظروف الصعبة، والأمر الآخر على الأشخاص الميسورين عدم المبالغة في ثمن الهدايا والضيافة، وخصوصاً إذا كان الشخص في الجانب الآخر وضعه المادي صعب، وذلك لعدم إحراجه في رد الهدية الثمينة، أو رد الضيافة المكلفة.

وتمم: "نحن مسلمون، فلذلك كرم الضيافة بدون تكلفة واحترام الآخرين والتماس العذر والحث على التزاور كلها أمور نابعة من العقيدة الإسلامية، فلا بد من الالتزام بالآداب الإسلامية في تلك المعاملات".