لا شيء أصعب من أن يُجبر الإنسان على هدم بيته بيده، ومفارقة أرضه وزرعه، ويستيقظ في اليوم التالي دون رؤية منزله الذي شيده حجراً حجراً.
لكن جهاد شوامرة (52 عاماً) وجاره روحي أبو رميلة من منطقة بيت حنينا الجديدة "الأشقرية"، فضّلا هدم منزليهما أول من أمس على أن يسكنه المستوطنون كي لا يكون بيتاهما نواة لاستهداف المنطقة بالاستيطان.
ما حدث للعائلتين هي نكبة جديدة، أدت لتهجير 30 من أفرادهما، ويعود أصل الحكاية لعام 2006، عندما زارهم عراب الاستيطان في القدس المحتلة "آرييه كينغ"، مدير "صندوق أرض إسرائيل"، وقال لهم إن هذه الأرض التي تحيط بها المستوطنات الإسرائيلية من جميع الاتجاهات ويقوم الاحتلال بشق طرق فرعية جديدة بين الأراضي الزراعية، تابعة لسلطاته.
تزوير إسرائيلي
يقول شوامرة الذي وضع خيمة بجوار منزله رافضاً مغادرة المنطقة، لصحيفة "فلسطين": "إن القصة بدأت عندما اشترى هو وجاره أبو رميلة قطعتي أرض تبلغ مساحة كل منهما 700 متر، بالإضافة لشخص ثالث بذات المساحة من فلسطينيين عام 1989، ثم قاموا بالبناء على 200 متر من مساحة كل قطعة عام 2000، قبل أن تبدأ رحلة المعاناة مع محاكم الاحتلال عام 2006 بعد زيارة عراب الاستيطان".
في تلك الفترة ظل عراب الاستيطان "كينغ" يزور المنطقة على مدار شهر كامل حتى رفع دعوى قضائية في محكمة الاحتلال العليا ضد "شوامرة" و"أبو رميلة"، لكن المحكمة أغلقت الملف ولم تستجب له، بعدها اتجه "كينغ" لمحكمة الاحتلال المركزية واستمرت القضية بين عامي 2007-2016.
ويضيف شوامرة: "بعد جلسات من التداول قدمنا خلالها وثائق وأوراقاً تثبت ملكيتنا للأرض وأحضرنا من اشترينا الأرض منهم، إلا أن محكمة الاحتلال اكتفت بالشهادات التي زورها كينغ مدعياً أنه اشتراها من أشخاص فلسطينيين في الستينيات، كلهم متوفون، وحتى المحامي المذكور اسمه بالوثائق متوفى، مما يدلل أنها كذبة".
وأردف: "تفاجأنا عام 2016 بإصدار محكمة الاحتلال المركزية قراراً بإخلاء المنازل وتسليمها للمستوطنين خلال 45 يوماً، لكننا قدمنا طلب استئناف للقضية في المحكمة العليا اعتقدنا أنها يمكن أن تعيد لنا حقنا في بيوتنا".
الأرض لا تباع
في شهر يناير/ كانون ثاني 2018، في آخر جلسة بالمحكمة العليا، جاء محامي المستوطنين وعرض على "شوامرة" و"أبو رميلة" مبلغ 3 ملايين شيكل لشراء كل قطعة أرض واستلامها بعد عامين أو ثلاثة أعوام، فكان الجواب "نحن لا نبيع لا شرفا ولا أرضا ولا بيوتا، هذه الأرض التي تدعون أنها لكم بأوراق مزورة لنا ولا نريد منكم أموالا"، بحسب شوامرة.
وقدم المواطنان كل الأوراق القانونية من البداية للنهاية، وأحضروا من اشتروا منهم الأرض، لكن مع ذلك اعتمدت محكمة الاحتلال العليا على أوراق زائفة من المستوطنين، ويكمل شوامرة: "طلبنا من المحكمة الحصول على نسخة طبق الأصل من أوراق المستوطنين المزورة، لكنها رفضت وطلبت منا فتح قضية تزوير أخرى إن أردنا؛ لتعقيد القضية علينا".
واستدرك شوامرة الذي بات خارج البيت : "طلبنا من المحكمة استصدار قرار نهائي، وأخبرونا أنه سيصدر خلال ثلاثة أشهر ولكن تفاجأنا بعد أسبوعين مباشرة بصدور قرار يمهلنا حتى الأول من آب/ أغسطس لإخلاء المنزلين".
لكن شوامرة وأمام هذا الحكم قرر عدم السماح للمستوطنين بالسكن في منزله فطلب من المحكمة هدم منزله بيده وعلى تكلفته الخاصة بعد أن حاول المستوطنون السيطرة عليه بعد الحكم، لكنه طردهم، مضيفاً: "إنني بهدم بيتي على حسابي الخاص، أفشلت المخططات الإسرائيلية باستهداف المنطقة في بيت حنينا، وتهجير جميع منازل الجيران".
"أفضل رؤية ركام منزلي على أن أرى مستوطناً يجلس فيه" يقول شوامرة الذي يعيش هو وشقيقه ونحو 17 فرداً في البيت الذي هُدم.
ويضيف بنبرة صوت مختلطة بين الحزن والتحدي "بعد كل هذا العمر يريدون أن نترك هذا الشجر الذي زرعناه، هذا الشجر يتحدث العربية، وسأبقى ثابتاً ولا أتحرك".
ووصف ما يحدث في المنطقة بأنه تهجير عرقي يشبه ما يحدث في الخان الأحمر شرقي القدس، لدفع الناس لمغادرة ضواحي المدينة، وفتح طرق على حساب بيوت الفلسطينيين.