فلسطين أون لاين

​مسيرة العودة هل حركت سفينة المبادرات؟

أظن أن من أبجديات العمل السياسي ربط الاحداث بعضها ببعض في غالب الأحيان، فلا يوجد في عالم السياسة تصرفاً اعتباطياً، فكثير مما يحدث على أرض الواقع هو أمرٌ مخططٌ له، لكن تحدث أمور لم يقدر لها أن تكون في أجندة من خططوا، لكن سرعان ما يتم التعامل معها وفق رؤيتهم السياسية.

الدافع لما سبق هو أن في هذه الأيام تنشط فكرة طرح المبادرات التي تهدف لتحسين الوضع الانساني بغزة، وهذا شيءٌ جميلٌ، وبغض النظر عن جنسية ولون ولغة من يطرحها أو يسوق لها أو يستعد لتمويل ولادة هذه المبادرات، فإن ثمة أسئلة تتسابق لتطرح نفسها على مائدة النقاش.

هل المبادرات تشير لصحوة ضمير عالمية؟ وهل كانلمسيرة العودة وخاصة ما سببته من قلق أمني واقتصادي للعدو دور في تحريك سفينة المبادرات و دفع العدو للحديث عن مخرج يخفف عنه الضغط، ولا يمنح حماس لقب(الفائز)؟ هل يمكن اعتبار أن هذه المبادرات هي سلوك تكتيكي يستعمله المحاصرين حتى يقضوا وطرهم من غزة والمتمثل في قطع اصبع السبابة الذي ترفعه غزة في وجوههموالالتفاف على مسيرة العودة حتى تهدأ؟

من يتأمل في هذه المبادرات يجدأن أغلبها تهدف للأخذ من غزة كل ما يمكن، وبسرعة ،وتعطي غزة وعوداً مهدئة، بأن المرحلة القادمة أفضل، وهذا يؤكد أن ضمائر الذين يحاصرون غزة لم تستيقظ بعد ولا أظنها تستيقظ، وأن من هذه المبادرات هي مثل الذي يدس السم في العسل، ولا تخلو من غش.

لا أبالغُ لو قلتُ إن مسيرة العودة لعبت دوراً كبيراً في تحريك سفينة المبادرات نظراً لما سببته من ازعاج على كل الصعد للكيان الصهيوني داخلياً وخارجياً، حيث إنها أعادت قضية فلسطين وخاصة حصار غزة إلى الواجهة، وأظهرت الاحتلال على حقيقته بأنه قاتل المدنيين وخاصة الاطفال والنساء العزل، فبدأت دولة الاحتلال تفكر كيف تتعامل مع مسيرة العودة، فرأت أن أفضل حل هوالعمل على تخفيف الحصار عن غزة _ باعتباره كما تظن_قد يخفف من حجم وتفاعل الجماهير الفلسطينية مع مسيرة العودة، فكانت المبادرات.

موقف الاحتلال من المبادرات؟

رغم حاجة الاحتلال لما يخفف حجم الأذى القادم له من غزة، فإنه يحاول دوماً الظهور بمظهر اللامبالي بما يحدث، كي لا يُسجل لغزة أنها أحرزت هدفاً في مرماه، فنراه يربط موافقته على أي مبادرة بشروط، فتارة يطلب نزع السلاح وتدمير الانفاق وتارة يطلب تعهد غزة بتوفير اقصى قدر ممكن من الحماية الامنية له، وأنه لن يسمح بإدخال أي مواد يمكن استخدامها في اغراض عسكرية _والأهم وهنا مربط الفرس_ ادلاء حماس بمعلومات عن جنوده لديها، وهو بذلك يخلط الحابل بالنابل، كي يحدث بلبلة في الموقف الفلسطيني.

وبتأمل بسيط في هذه المعايير نجد أن من المنطقي ألا توافق عليها حماس وغيرها من شرفاء الشعب. لماذا؟

لأنها ذات طابع امني بامتياز وتصب في خدمة الاحتلال، ثم من يُلزم دولة الاحتلال بما يتم الاتفاق عليه خاصة أن تنكر الاحتلال لكثير من الاتفاقيات الموقعة، أمرٌ لا يمكن انكاره أو تجاهله، وبخصوص معلومات عن جنوده لدى حماس، فحماس تؤكد مراراً وتكراراً بأن ملف الجنود والأسرى_ وهذا موقف غالبية كبيرة من الشعب_ هو ملف مستقل وغير مرتبط بأي قضية اخرى مهما بلغت أهميتها، فقد يأخذ الاحتلال مبتغاة ويعرف وضع جنوده لدى حماس، ثم بناء على تلك المعلومة يتبنى النهج الذي يخدمه.

أخيراً ثمة سؤال: هل ستنجح المبادرات؟

أعتقد أن هذه المبادرات هي لذر الرماد في العيون وتعبر عن عجز المجتمع الدولي عن ايجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، ثم إن الكيان الصهيوني غير معني بنجاحها فهو يضع العصا في الدواليب، لأنه لا يريد أن يظهر امام حماس أنه مهزوم، ثم إنها تركز على البعد الإنساني _وهذا مهم _لكنها تغفل البعد السياسي، وتتجاهل أن الاحتلال هو السبب الرئيس لما يعيشه الشعب من نكبات، ثم هل يُعقل أن الذي قرر وفكر ودبر لغزة السوء وزرع في رحمها بذور الألم والمعاناة، أن يبادر هو نفسه لإخراج غزة من أزماتها؟