من وسط مدينة غزة من داخل فندق الكومودور بدعوة من معهد بيت الحكمة في حضور نخبوي واسع، أطلق رجل الأعمال الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية مبادرته لكسر الجمود في تحقيق المصالحة، وإنهاء الانقسام، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة الوطنية والممكن السياسي.
جوهر المبادرة يقوم على ثلاثة مرتكزات، هي:
- إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة الشراكة السياسية والتوافق الوطني، وأحد أهم أوجه تلك الشراكة دخول حماس منظمة التحرير الفلسطينية.
- الولاية على سلاح المقاومة للحكومة الفلسطينية.
- تبني فصائل العمل الوطني والإسلامي جميعًا المقاومة الشعبية السلمية أداة لتحقيق الهدف السياسي المتمثل بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967م.
ينطلق عدنان مجلي من رؤية جديدة تستحق الاحترام والتقدير، وهي نابعة من حرص الرجل على القضية الفلسطينية، بعد ما وصلت إليه من تيه وضياع، وما وصل إليه المواطن من إحباط.
لكن هذين التيه والإحباط اللذين أصابا عضد النظام السياسي الفلسطيني كل مكوناته لا يمنعاننا من تقديم النصح لصاحب المبادرة، وأنا مؤمن أن الرجل طرح المبادرة أمام النخب لإجراء بعض التحسينات عليها، ومن هنا في هذا المقال أضع بين يدي عدنان مجلي بعض المحددات الهامة التي قد تساهم في تحسين المبادرة.
أولًا: تجربتنا الفلسطينية الممتدة في المبادرات واتفاقيات المصالحة كان يعترضها الشيطان دائمًا وباستمرار، وهذا الشيطان يكمن في التفاصيل، وهذا يدفعني إلى نصيحة مجلي بوضع خريطة طريق لكل محور من محاور المبادرة، تتضمن التفاصيل الدقيقة وجدولًا زمنيًّا للتنفيذ.
ثانيًا: عندما تصبح الحكومة هي المسئولة عن سلاح المقاومة وأذرعها، في ظل الاتفاقيات الدولية التي تلزم السلطة بتحديد شكل التسلح وحجمه ونوعيته؛ هذا من شأنه أن يضع الحكومة أمام خيارين: الحصار، أو تسليم السلاح غير التقليدي، وهذا يدفعني إلى إعادة التذكير بنموذج الضفة الغربية حيث جمعت السلطة السلاح؛ فعلى الفور عزز الاحتلال الاستيطان، وهود المقدسات، وتنكر لأغلب الاتفاقيات.
أقترح هنا العمل على إعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية، والبدء بإحياء جيش التحرير الفلسطيني من جديد، ويكون نواة هذا الجيش أذرع المقاومة الفلسطينية المختلفة، ويكون مسقوفًا عمله بإستراتيجية وطنية تحررية متوافق عليها كل الفلسطينيين في الداخل والخارج.
ثالثًا: تبني المقاومة السلمية مسألة مهمة في هذا التوقيت، ولكن على قاعدة وجود قوة تحميها من بطش الاحتلال، فقد سبق للفلسطينيين أن مارسوا مقاومة زراعة التفاح والليمون، فقابلهم الاحتلال بالاستيطان وإرهاب ميلشياته، والمجتمع الدولي بقي صامتًا، ومارس الفلسطينيون في قطاع غزة سياسة الصمت والتكيف مع الحصار الظالم أكثر من اثني عشر عامًا، وقابلهم الاحتلال بمزيد من الحصار والخنق، وشن عليهم ثلاث حروب بشعة، والمجتمع الدولي في أحسن حالاته أصدر بيانات الشجب والاستنكار، وينطبق المنهج على المسيرات السلمية في غزة والضفة، والموقف الدولي هو نفسه، ومارسنا المقاومة المسلحة والمجتمع الدولي لم يلتفت إلى أصل المشكلة، وهو الاحتلال، حتى بات الفلسطيني أكثر اقتناعًا بأن المقاومة المسلحة تحدث خسائر في الجانبين، وتقوض من الاستيطان، وتزيد من الهجرة العكسية للصهاينة من فلسطين إلى الدول التي هاجروا منها.
وهذا يدفعنا إلى القول: إن أي مبادرة لإنهاء الانقسام بحاجة إلى تحليل البيئة الإستراتيجية المحلية والإقليمية والدولية، والانطلاق في حملة علاقات عامة لتسويقها وتقدير نتائجها، كون الفشل غير مسموح به في أي مبادرة تحمل أفكارًا إستراتيجية لإدارة الصراع مع المحتل.
في الختام كل الشكر للدكتور عدنان مجلي، ولكل فكرة غير تقليدية يعمل صاحبها على البناء عليها للخروج من عنق الزجاجة، وأتمنى على النخب قراءة المبادرة قراءة نقدية، ومساعدة مجلي على تحسينها، ما يزيد من فرص نجاحها ويزيل أي عراقل قد تعترضها.