لقد أثبتت الانتخابات التركية الأخيرة نجاح " سلطة الحب" حيث أعلنت فوز حزب العدالة والتنمية بالرئاسة لفترة ثانية متجددة.
لم يصل " أردوغان" إلى ما وصل إليه إلا من خلال التفاف الشعب حوله، هذا الالتفاف الذي لم يكن لينجح لولا ما زرعه أردوغان طيلة سنوات من توليه الرئاسة والحكم.
لقد شهد الجميع أن الانتخابات التركية كانت نزيهة، لم تشُبها شائبة، بل وقد جذبت غالبية الأتراك تجاه صناديق الاقتراع حيث أدلوا بأصواتهم، وهذه المرة كانت الأكثر إقبالا من افراد الشعب التركيعلى الانتخابات. أعلنت النتائج، وتربع أردوغان مرة ثانية على سدة الحكم.
لقد أظهرت لنا التجربة التركية مع اردوغان نجاح نوع جديد من " الإدارة" إدارة الشعب بالحب، والسلطة على القلوب بالحب.
لم يكن اردوغان ليصل إلى ما وصل إليه إلا من خلال ما قدمه لهذا الشعب، وما قدمه من المصالح والتي كانت بالدرجة الأولى برنامجا إصلاحيا متكاملا، حيث رفع اقتصاد تركيا وأنعشه، وبدأ بتنفيذ الخطط التنموية التي حفرت في رأس المواطن التركي أثر هذا التغيير خلال سنوات معدودة.
لقد استطاع أردوغان أن ينفذ إلى عقول وقلوب المواطنين الأتراك دون تعصب ولا تشدد، أعاد لتركيا هيبتها ومع ذلك لم يؤجج ضده القوى العظمى في العالم، بل حافظ على إمساك العصا من المنتصف، وسار على نهج حديث برؤية عالمية جديدة، وتملك الشعب بأفعاله لا أقواله.
لقد فاز أردوغان بفارق يمنحه الراحة النفسية أمام منافسيه، وبذات الوقت يبدو منطقيا ومعقولا لا خياليا يستخف بعقول المواطنين كما يحدث عندنا نحن العرب.
ولم تعنِ الأصوات التي لم تصوت لأردوغان أنها تكرهه، بل أعلنت أنها تصوت لمرشحي برامجها التي ترى فيها مصالحها. في النهاية كلمة الشعب هي المقياس المأخوذ به.
ولو عدنا لزمن قريب قد مضى، نذكر محاولة الانقلاب التي أعدت في الخفاء ونفذت فجأة، لكنها باءت بالفشل، ولم تبؤ بالفشل إلا بوقوف الشعب التركي مع السلطة الحاكمة فيه، مع رئاسته، ووقوفه ودفاعه لم يكن عبثا، بل كان يعلم المواطن التركي تمام العلم مآل حال تركيا بعد ذاك الانقالاب، فدافع عن وطنه وحريته ودافع عمن يحكم تركيا ليس بسطوته ولا نفوذ جبروته... يعلم المواطن التركي أن هذا العهد الذي تعيشه تركيا بمثابة العصر الذهبي من العدل ومقومات الحياة، وأن هذا الرئيس الذي حيكت ضده المؤامرة_ مؤامرة الانقلاب_ إنما حيكت في الأصل ضد تركيا، فهي من صنع من أرادوا بتركيا سوءا، فوقف المواطن التركي إلى جانب حكومته التي لم يرَ منها ما يثير غضبه، ويؤجج بغضه.
إن تركيا غدت نموذجا ديموقراطيا إصلاحيا يحتذى به، وأن كل الأصوات التي ترى فيه نموذج هيمنة ومصالح خفية فليتنا نحظى بهذا النوع من الهيمنة، ليتنا نجد من يتولى مصالحنا ويهتم بجيب الشعب وما فيه لا بجيبه وما يدخل إليه... إننا حين نتحدث عن الأنموذج التركي نتحدث عن أنموذج نجاح على كل الأصعدة، حتى اننا نستغرب حجم اللحمة الشعبية التركية حول قيادتها وحكومتها، نستغرب حجم الولاء الذي قلما نجده في شعوبنا العربية التي تنتقد تركيا، وقد عجزت أن تكون مثلها، وعجزت أن تستولي على قلوب مواطنيها، وعجزت أن تسجل منظومة ولاءبين الشعب والسلطة.
لقد أثبتت تركيا أن " السلطة بالحب" أقوى أنواع السلطة وأكثرها فعالية، وأن إيجابياتها تبني لبنات فشلت سلطة القوة والسطوة فيها.
حين يوشك قائد المعركة على الخسارة سيفر الجنود من حوله بحال خفتت سطوته، ولن يبقى معه إلا من تمسك به من الجنود، من يعلم أن هذا القائد هو روح الدولة... ليتنا ننظر لنماذج النجاح بموضوعية أكبر، وننحي كل ما يختلج صدورنا من تحاملات؛ لنفقه الدرس جيدا.