صوّت (56 مليون) ناخب تركي في الانتخابات المبكرة التي جرت الأحد الماضي، بنسبة مشاركة هي الأكثر عالميًا وصلت إلى (90%)، وحقق رجب طيب أردوغان فوزًا بما نسبته 53%.
تكمن أهمية الانتخابات التركية في أنها الأولى بعد التعديلات الدستورية التي انتقل فيها النظام السياسي التركي من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وتأتي أيضًا في ظل تدخلات دولية واقليمية لإسقاط أردوغان والعودة بتركيا إلى سابق عهدها الأتاتوركي.
فاز أردوغان وعادت الديمقراطية من جديد للوعي العام العربي والإسلامي بعد غياب قسري بسبب نظمنا الشمولية التي تتمسك بالكرسي دون أدنى اعتبار لشعوبها ونهضتها، فاز أردوغان ولم تحتفل تركيا وحدها بهذا الفوز بل احتفلت شعوب الأرض لا سيما في دول العالم الثالث، ليس لأن أردوغان جاء من مدرسة إسلامية، أو لأنه يحتضن الإسلاميين في تركيا، فليس المقصود احتفال الإسلاميين بفوزه، بل احتفال جزء كبير من الشعوب إسلاميين كانوا أم علمانيين، أم يساريين بل حتى بعض المسيحيين فرحوا بتجربة أردوغان وفوزه، وذلك مكافأة له ولحزبه الذي كان سببًا في نهضة ورقي تركيا، وتماسكها، ولعل الصورة الخالدة في ذكرياتنا هي صورة خروج الشعب الأعزل في مواجهة الدبابة الانقلابية في شوارع أنقرة ولإسطنبول عام 2016م، هذا النظام صنع لشعبه بما يجعلنا نبكي لما يجري لشعوبنا بسبب تخلفنا وتخلف أنظمتنا القمعية.
نعم، فرحنا بفوز أردوغان، ولعل نكهة الفرحة في فلسطين تختلف عن غيرها، فقد توحد غالبية الفلسطينيين في مسار الفرحة والتهنئة للسيد أردوغان، فتح وحماس احتفلت بفوزه، الرئيس عباس كان من أوائل المهنئين، وكذلك حماس، الناطق باسم الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية عدنان ضميري كتب على صفحته قائلًا: لو كنت تركيًا لانتخبت أردوغان.
ماذا قدم أردوغان لفلسطين كي يأسر قلوب معظم مكوناتها...؟ ولماذا لم يستفد الآخرون من تلك التجربة...؟
ما يقدمه أردوغان لفلسطين أقل مما تقدمه فلسطين لأردوغان، تلك هي الحقيقة ومن هنا يكمن السر، ومن هنا يظهر الإعجاز في الإنجاز، فلسطين منحت أردوغان الكثير، فمن يدافع عن فلسطين ومقدسات فلسطين ومظلومية الشعب الفلسطيني، يبارك الله فيه، وتحتضنه جماهير وشعوب الأرض، وهذا ما فعله السيد أردوغان في بعض المواقف المتواضعة والتي لا تلبي طموحات وتطلعات الشعب الفلسطيني من تركيا ومن السيد أردوغان شخصيًا.
فموقفه من قطاع غزة واشتراطاته الثلاثة لـ(إسرائيل) والتي كان أحدها رفع الحصار عن قطاع غزة، ورغم تنازل تركيا عن هذا الشرط وهو ما أصاب الفلسطينيين في انتكاسة إلا أن مجرد وضع الشرط كان رافعة لأردوغان تركيًا وإقليميًا ودوليًا، وموقفه من القدس وقرارات ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واستدعائه للسفير الإسرائيلي وطرد سفير (إسرائيل) شكل رافعة له رغم أن تلك الخطوة لا ترقى لحجم التهديد للقدس، إلا أنها خطوة متقدمة بالمقارنة مع الموقف العربي والإسلامي.
أخيرًا فإن المأمول فلسطينيًا من تركيا ومن أردوغان ما يأتي:
1. اتخاذ مواقف أكثر تقدمًا وتأثيرًا تجاه صفقة القرن لإفشالها كونها لا تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني.
2. زيادة الدعم السياسي والإعلامي والمالي لفلسطين.
3. وضع حصار قطاع غزة على رأس أولويات السيد أردوغان الخارجية.
4. ما تقدمه تركيا مشكورة عدد قليل من المنح التعليمية للطلاب الفلسطينيين، وتركيا قادرة على زيادة تلك المنح بما يعزز من تطور رأس المال الاجتماعي الفلسطيني.
5. تكثيف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة والقدس والضفة المحتلة، والعمل على زيادة استيعاب أعداد إضافية للجرحى الفلسطينيين والتكفل بعلاجهم، ومراجعة قرار تركيا بتسليم المستشفى التركي لوزارة الصحة الفلسطينية، فأملنا أن نرى مستشفى تركي بطواقم ومعدات تركية في قطاع غزة.