لم تزل أمتنا بخير، وشبابنا بخير، وبرامجنا فيها الخير. مذ عُرض برنامج "قلبي اطمأن" أدركت أن هناك ما يستحق المشاهدة في إعلامنا، ولو كان بشكل خجول.
"قد لا أستطيع الوصول لكل محتاج، إلا أنني قد ألهم الآخرين..." بهذه الكلمات كان الحديث بلسان "غيث" الشاب الإماراتي في بداية كل حلقة من حلقات البرنامج. الفكرة ليست جديدة من حيث مساعدة الآخرين، بل هي ديدن كل شهم، تطوف الإنسانية داخله، ولكن الجديد طريقة المساعدة، وجمالية الأسلوب في تقديمها، فلا فواصل لمؤسسات راعية تريد الشهرة من وراء هذا، ولا شخصية همها أن تسلط عليها الأضواء؛ لكم الخير الذي تفعله. وجدنا طريقة مغايرة عما يتم طرحه في برامج الخير التي اعتدنا عليها، شاب لا يُرى منه إلا جمال خلقه وصوته، يأتي الناس المحتاجة مصادفة، يقدم المساعدة دون المساس بكرامتهم، فهو يبدأ الحديث كزائر أو كمغترب أو كعابر سبيل يسأل عن شيء ما، ثم يتسلل بحديثه إلى وضع الناس بطريقة سلسلة، ثم يخرج من "حقيبة الخير" ما قسم الله لهذا أو ذاك؛ ليرسم سعادة وابتسامة على وجوه لا نرى منها إلا تمتمات الحمد.
لقد أفضى لنا هذا البرنامج القصير في وقت حلقاته عن طبيعة بعض الناس في شتى بلاد العرب، والتي ربما نظنها غير ما نرى. كم الدعوات التي يتلقاها غيث تنزل كما الغيث على مسامعنا، لدرجة كلنا يتمنى أن ينال جزءا منها.
إن عدم الإفصاح عن الاسم بالكامل نقطة تحسب لـ"غيث"، فالغيث يأتي من حيث لا ندرك، طريقة إصراره على عدم الكشف عن وجهه وملامحه تحسب لإنسانيته. البرنامج راقٍ جدا في طرحه، فهو بالفعل يلهم الآخرين، بالذات بعدما صار فاعلو الخير _ ولنكن منصفين ليس كلهم_ يحرصون على الظهور بمظهر مقدمي الخير "فلان" يقدم ويجمع ويساعد، وتعج مواقع التواصل الاجتماعي، والأماكن باسمه؛ ليبرز مديحه. العبرة في أن نقدم ما نستطيع مع مقاومة الحاجة الملحة في نفوسنا بالظهور كفاعلي خير يتمنون المدح من الجميع.
أما عن زيارة أماكن متعددة في الوطن العربي حتى موريتانيا وصلها غيث من غيث، فهذا يدلل على عدل الفكرة، ولو أن المحتاجين يملؤون المكان الواحد، لكن والحق يقال، لقد ألهمت الكثيرين بالفعل يا غيث، لقد أصبح الكثيرون يغبطونك على هذا.
أما عن اسم البرنامج "قلبي اطمأن" فهو بمثابة رسالة سلام للمحتاج لما وجد من طمأنينة مرسلة من الرحمن بيد البشر، تخبره بأن الدنيا لم تزل بخير وأن الخير في أمة محمد حتى قيام الساعة مهما ضاقت، وهو بمثابة ترنيمة من السكينة لمقدم المساعدة لما فيه من طمأنينة لقلبه أنه قدم ما وجب عليه تقديمه طالما استطاع ذلك، إضافة لكم الدعوات الطيبة التي يتمنى كل قلب الحصول عليها من البسطاء. وبالنسبة للمشاهد فهو بمثابة أثر على طريق الأمان، ذاك الطريق الذي يشعرنا بالطمأنينة إلى حد ما، وهو أن أمتنا لم تزل بخير، وفيها من الناس الذين بإمكاننا أن نحبهم دون أن نعرفهم، بل ونتمنى أن نحذو حذوهم فننام مطمئنين على كل هذا الخير فينا.
"بسم الله نبدأ سعادة جديدة" الجملة التي تهفو القلوب إليها، والتي تعلن بدء تغيير جديد في حياة شخص ما قد ينعكس على عدد أكبر من الأشخاص، ما أجملها من عبارة تبدأ باسم الخالق، فنحن مسخرون لبعضنا البعض. توحي العبارة بأن النية عقدت على إسعاد الآخرين، وسيتم هذا باسم الذي وهب، وأعطى، وأوحى لنا أن نكون كذلك.
"قلبي اطمأن" أن هناك ما يستحق أن نقف عليه، أن هناك ما يثير فينا الغيرة المحمودة، قلبي اطمأن على أن الإنسانية فينا بخير، وأن هناك من لا يبتغي من وراء عرض هذا إلا القدوة الحسنة، وإيصال كم الوجع بيننا، وكم الناس المتعففة بيننا. لا يبتغي شهرة أو مديحا.
لقد نال البرنامج رضا الكثيرين، بل وأثنت عليه القلوب قبل الألسنة وحال الكل يقول: شكرا غيث.
طمئنوا قلوبكم بالخير الذي تقدموه، بالإخلاص الذي تقومون فيه في أعمالكم، بإخلاص نواياكم، طمئنوها؛ لتصل مرحلة السكينة فلا يزعجها كل الشر حولها؛ لأن درجة الثقة بالخير أكبر... باسم الله نبدأ فكرا جديدا.