فلسطين أون لاين

ويُصرّ على تقديم امتحانات "الثانوية"

الجريح "إسلام الدغمة".. الشهيد الذي عاد للحياة!

...
غزة/ نور الدين صالح:

شهيد حي لم تصعد روحه للسماء، بل عادت إليه الحياة مرة أخرى، لتعيد له الأمل وترسم البسمة على شفاهه، سيّما أن جسده لُفّ بالوشاح الأبيض الخاص بالشهداء وخُط عليه "مجهول الهوية 6" عقب وصوله عتبات مستشفى غزة الأوروبي.

كان هذا المشهد حاضراً مع الجريح إسلام الدغمة (18 عاماً) لحظة وصوله إلى المستشفى، بعدما اخترقت جسده عدة رصاصات غادرة من قناصة أحد جنود الاحتلال المتمركزين خلف السياج الفاصل شرق خانيونس.

مع ساعات الظهيرة من يوم الرابع عشر من شهر مايو الماضي، إذ باتصال هاتفي مفاجئ على والده دهدار الدغمة (52 عاماً)، يبلغه برسالة قصيرة "إسلام مُصاب بجراح خطيرة، وتم نقله إلى المستشفى".

وقع هذا الاتصال على الوالد كالصاعقة، سيّما أن حالة من الشك كانت تساوره عن طبيعة هذه الإصابة وربما يكون قد استشهد كما سمع من آخرين، فما كان منه إلا أن يتوجه بسرعة كالبرق إلى المستشفى، كما يقول.

توجه الدغمة نحو ثلاجات الشهداء بحالة من الهلع والصدمة، فوجد ابنه بين جثامين الشهداء مكتوبا عليه "مجهول الهوية 6"، ورأى منطقة الحوض مفتتة بشكل كامل، وفق ما روى لصحيفة "فلسطين"، وهنا تكون اكتملت تفاصيل مشهد الألم والوجع لعائلته.

صديق إسلام كان مع والده "دهدار"، فأخذ يكشف الغطاء الأبيض عن إسلام مرة أخرى، ليجد أن جسده الضعيف المصاب بجروح في غاية الخطورة يتحرك، حينها تيّقن أنه على قيد الحياة، وأبلغ الأطباء وجرى نقله إلى قسم المسالك البولية في مستشفى ناصر الطبي"، يروي الوالد تفاصيل التأكد من أن ولده على قيد الحياة.

ويقول الدغمة: إن ابنه يعاني من مرض "الربو"، وهو ما دفعه لمنعه من الذهاب للمشاركة في مسيرة العودة في بدايتها خوفاً عليه من استنشاق الغاز المسيل الدموع، الذي يُعد خطيراً على حياته.

ويروي أن خمسة رصاصات اخترقت جسد ابنه "إسلام"، وأصابت أماكن مختلفة منه مثل الحوض وقدميه اليمنى واليسرى، ويده اليمنى، خضع على إثرها لعدة عمليات استغرقت بعضها أكثر من 6 ساعات متواصلة.

"إصابة إسلام حرجة جداً، وهو بحاجة إلى علاج بالخارج وتحديداً في تركيا وفق الأطباء المشرفين على حالته"، يصف الدغمة حالة ابنه، وهو يقصد إيصال رسالة لكل الجهات المعنية بضرورة التحرك لإنقاذ حياته.

في هذه اللحظات كان الوالد يجلس إلى جانب "إسلام" الذي لا يزال يرقد على سرير المرض في مستشفى ناصر، منذ إصابته حتى الآن، حينها طلب مراسل "فلسطين" الحديث معه، للتعرف على تفاصيل الإصابة أكثر.

يقسو إسلام وهو أحد طلبة الثانوية العامة "توجيهي" على أوجاع إصابته وهو يقّص اللحظات الأولى للإصابة، قائلاً: "عقب عودتي من أحد الدروس الخاصة توجهت إلى منطقة السياج الفاصل شرق خانيونس، للمشاركة في مسيرة العودة".

ويُكمل: "في اللحظات الأولى لوصولي منطقة السياج الفاصل على بُعد أكثر من 500 متر، إذ بخمس رصاصات تخترق جسدي طالت اليد اليمني والقدمين والفخذين والحوض".

وتسببت هذه الرصاصات، والكلام لإسلام، بكسر في الحوض وقطع في الحالب وتلف في الخصية اليمنى، أبقته رهينة سرير المرض في مستشفى ناصر، لأكثر من 20 يوماً منذ اللحظة الأولى لإصابته.

ونظراً لخطورة حالته الصحية، فإنه يكرر مناشدة والده، لكل الضمائر الحياة بضرورة التحرك لتحويله للعلاج في تركيا، وتوفير العلاج اللازم له، من أجل العودة لحياة كريمة، خاصة أنه يشتري العلاج الخاص به على نفقته الخاصة.

ويضيف إن: "أسعار الأدوية اللازمة له، باهظة الثمن، وشراءها على نفقة والده الخاصة، يثقل كاهله، خاصة أنه عاطل عن العمل منذ أكثر من 5 أعوام".

وحين سؤاله عن الأسباب التي دفعته للمشاركة في مسيرة العودة، أجاب بصوت يعلوه القوة والحماسة: "دفعنا حب الوطن والأمل بعودتي إلى بلدتي المحتلة يافا".

ويرى الدغمة أن خطوة مسيرة العودة ونصب الخيام قرب السياج الفاصل "مهمة" على طريق العودة إلى الأراضي المحتلة عام 48، وأعادت له بريق الأمل بتحقيق حلم العودة للأرض الذي لطالما سمع عنها من الأجداد، وفق وصفه.

ويردد بعبارة يحدوها الأمل والإصرار: "عند تماثلي بالشفاء بإذن الله، سأعود مرة أخرى للمشاركة في مسيرات العودة، حتى تحقيق حلم العودة".

عزيمة كالجبال وإصرار منقطع النظير، يتمتع بهما الشاب إسلام، كونه يخوض غمار امتحانات الثانوية العامة، وهو على سرير المرض في المستشفى، رغم إصابته الحرجة.

ويحرص الدغمة على مراجعة دروسه أثناء تواجده في المستشفى كما يقول، غير مكترث للوضع الصحي الحرج الذي يعاني منه.

ويروي أنه: "نظراً لعدم قدرته على الكتابة بسبب إصابته في اليد اليمنى، يتوجه شخص آخر برفقة المراقب إلى المستشفى عند كل اختبار، لكتابة الإجابات بدلاً منه".

ويقول الدغمة بنبرة القوة والواثق بنفسه: "لن تثنيني الإصابة عن مواصلة تحقيق حلمي في استكمال دراستي"، معرباً عن أمله أن يلتحق بالكلية العسكرية التي يطمح بها طيلة فترة حياته، حباً منه لخدمة وطنه وأبناء شعبه.

ويختم حديثه: "إن شاء الله أحصل على معدل عالٍ، وأكرر مناشدتي بضرورة الإسراع في تحويلي للعلاج في الخارج".