فلسطين أون لاين

​حين ولد طبيب العيون مرتين

...
رفح - ربيع أبو نقيرة

هبة، يا اسمًا نقشته على جدار قلبي وصفحات أعماقي, يا وجهًا وثغرًا باسمًا لا يغيب عني محياك, فذكرياتك _حبيبتي_ لن ترحل، بل ستبقى مغروسة بين رحيق الأزهار وثنايا الفؤاد وشقاق القلب.

يا توأم روحي، يا من تشتاق روحي إلى روحها، ها هو رمضان يأتي هذا العام، حزينة أيامي فيه، وحيدًا أشكو فيه بثي وحزني إلى الله، يا من كنت لي كل شيء جميل، يا من كنت تشحذين همتي فيه للطاعات، يا من كنت تنافسينني فيه في فعل الخيرات.

اشتقت إلى سؤالك لي يوميًّا: "كم من الأجزاء قرأت اليوم؟"، فتشعرين بالغيرة إذا ما كان لي السبق، فأواسيك دومًا بأن عليك أعباء عديدة تمنعك من السبق، كما اشتقت إلى تناول طعام السحور والإفطار من صنع يديك المباركتين.

في هذه الزاوية يخاطب طبيب العيون الدكتور سميح عليان أبو نقيرة زوجته الراحلة المربية هبة إبراهيم فحجان.

أتذكرين _يا هبة_ يوم 14 أغسطس، اليوم الذي ولدت فيه مرتين، مرة عام 1971م عندما وضعتني أمي، ومرة أخرى عام 2005م عندما رأيتك أول مرة، وقد دخلت الغرفة تحملين أكواب العصير.

الذكرى التي لفتت انتباهك، وعدت أكثر حرصًا مني فيها على رسم البسمة على وجهي والاحتفال بي في هذا اليوم، أتذكرين عندما قلت لك في إحدى المرات: إنه لا احتفال بيوم ميلادي بعد الآن، لاسيما أنه يوافق يوم فض اعتصام رابعة الدموي، فحزنت وتفطر قلبك.

طريقة زواجنا كانت تقليدية، لكن الراحة النفسية والقبول اجتاحا قلبينا عند النظرة الأولى، أذكر _يا حبيبتي_ عندما قدمت لكم صينية حلويات، وأصررت على عدم فتحها إلا بعد أن يتم القبول ويزول تردد والدك بالموافقة على زواجنا.

في اليوم الذي عقدنا القران فيه 12/9/2005م انسحب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة يجر أذيال الهزيمة، وعندها زالت رهبتي وانقلبت إلى طمأنينة، ثم وجدتك امرأة من الجنة بعد أن استكشفتك وعشت معك.

لا يمكن نسيان اليوم الذي بشرتني فيه بنجاحي وتفوقي بنتيجة امتحان التوظيف بوزارة الصحة، عندما اتصلت بي وحدثتني عبر سماعة الهاتف المحمول، كم أحببت طريقتك التي أسعدتني كثيرًا، عند إخباري، وكنا وقتها مخطوبين.

كما أنه لا يمكن لي حصر فضلك علي في بعض الكلمات أو السطور، كيف لا؟!، وقد وجدتك نواة طيبة لتأسيس بيت صالح، فكنت لي خير معين في تثبيتي على الدين وحثي على العبادات، خاصة الحرص على أدائي صلاة الفجر في وقتها بالمسجد.

كيف أنسى فضلك علي؟!، وأنت من وقفت معي يدًا بيد في بناء مستقبل عائلتي، ادخرت راتبك كله ووضعته تحت تصرفي حتى تمكنا من شراء قطعة أرض، وبناء البيت الذي كنا نحلم به.

سكنّا معًا منذ لحظة زواجنا في بيت مؤجر مدة خمس سنوات في مخيم الشابورة، وهو بيت متواضع جدًّا، ولم تتأففي أو تصدر منك أي شكوى، رغم مكانتي طبيبًا ومكانتك معلمة مربية للأجيال.

ثم عشنا معًا مدة خمس سنوات أخرى في بيت العائلة، وهو بيت متواضع جدًّا مسقوف بالأسبست، اقتطعت منه غرفتين وهو بيت لا تدخله الشمس، وكنا نبني بيتنا الجديد خطوة بخطوة.

أذكر اللحظات الجميلة التي كنا نقضيها معًا في التخطيط لبناء البيت، والتصميم والديكورات، واختيار كل شيء بالتشاور والتوافق، من أول حجر بني في البيت حتى اللحظة التي خطت أقدامنا عتبته لنعمره معًا ونرسم أحلامنا القادمة.

التفكير المادي للحياة زال من عقلي بحسن خلقك وتفانيك في الحياة، الذي غير مجريات حياتي، لاسيما أنني رأيت فيك الرقي والعظمة، فعززت لدي جانب الرأفة واللين والمحبة والتواضع والتفهم في التعامل مع الناس، والبعد عن الغلظة.

تفننتِ في إرضائي بالطرق كافة، بصناعة الطعام والظهور بهيئة جميلة، رغم انشغالاتك في مهنة التدريس وتربية أطفالي، وكنت لي خير الطبيب في مرضي.

أنرت لي حياتي على مدار 12 عامًا، حتى رحلت إثر نزف حاد في أثناء الولادة بتاريخ 9/12/2016م، فانطفأت شمعة قلبي واحترق لهيب الشوق والحنين، الآن وقد وسدت لحدك وقابلت ربك وتركتني للأيام وحدي، إني أطمع في وجه الله أن يتمم سعدك وسعدي باللقاء بك في جناته.

أحببتني بلا حدود، لذلك قدمت كل شيء لي، ولو قضيت عمري كله لحظة بلحظة أدعو لك بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة ما وفيتك حقك.