الدم بالدم، والقصف بالقصف، معادلة حصلت عليها المقاومة بعد الكثير من التضحيات والدماء، وحافظت عليها طوال السنوات الماضية، إلا أن الاحتلال حاول في الفترة الماضية فرض قواعد اشتباك جديدة، وتغيير المعادلة لصالحه، خاصة في ظل الأوضاع المأساوية التي يعاني منها قطاع غزة.
تلك الأوضاع التي قيدت يدي المقاومة، وحشرتها في زاوية صعبة، وجعلتها تلجأ إلى حلول أخرى، غير الحرب المسلحة الشاملة، وكانت مسيرة العودة الكبرى كطوق نجاة لفصائل المقاومة، إلا أن المسيرة لم تحقق أهدافها المطلوبة، بل زادت من شراسة الاحتلال ومحاولته تغيير قواعد الاشتباك، وفرض معادلة جديدة في قطاع غزة، قصف من الاحتلال دون رد للمقاومة.
ومما زاد رغبة الاحتلال في فرض معادلة جديدة في قطاع غزة، الظروف الإقليمية والدولية المواتية، والتي لم ترى إسرائيل مثلها من قبل، فالتطبيع مع الدول العربية يجري على قدم وساق، والكثير من الدول العربية أصبحت تجاهر بتطبيعها مع الاحتلال، بعد كان مجرد الهمس به خط أحمر لا يمكن تجاوزه، أما على المستوى الدولي فإدارة ترامب تسير خلف (إسرائيل) مغمضة العينين وتدعمها بكل قوة وبدرجة غير مسبوقة، وخاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعلان القدس عاصمة لـ(إسرائيل).
في ظل تلك الظروف وجدت المقاومة نفسها، أمام معادلة صعبة ومعقدة جدًا، وأي حركة غير مدروسة ستؤدي إلى نتائج وخيمة وكارثية، فأما السكوت والسماح للاحتلال الإسرائيلي بفرض قواعده ومعادلته على القطاع، وأما الرد عليه وإلزامه حده مما قد يؤدي إلى نشوب حرب شاملة، لا تريد المقاومة جر القطاع إليها في الوقت الحالي.
وكان القرار بالرد على العدوان، والمحافظة على المعادلة القائمة مهما كان الثمن، ولقد أثبت المقاومة قدرتها على إيقاف العدو عند حده، مهما كانت الظروف التي تواجهها، وما حصل في اليومين السابقين خير دليل على ذلك، فالعدو تلقى الكثير من الصواريخ والقذائف من قطاع غزة، في المقابل كان الرد محدودًا جدًا من الاحتلال، ولا يتوافق مع كثافة الصواريخ المنطلقة من غزة، ولقد قام الاحتلال من قبل بالرد على صواريخ انطلقت من قطاع غزة، بشكل مكثف جدًا وأكبر بكثير من حجم الصواريخ التي أطلقت عليه، وفي هذا دليل كاف على جبن الاحتلال وخوفه من القوي، وغطرسته وتجبره على الضعيف.
إن المقاومة استطاعت المحافظة على توازن الرعب، والردع المتبادل، ومعادلة القصف بالقصف، والدم بالدم، كما صرحت سرايا القدس وكتائب القسام في بيانهما المشترك، الذي يعد من أهم معالم المرحلة القادمة في تاريخ المقاومة، فسلاح المقاومة واحد، والهدف واحد، ردع العدو الصهيوني وإلزامه حده، والدفاع الشعب الفلسطيني وحمايته من تغول الاحتلال.