فلسطين أون لاين

​رمضان السجون.. غربة وقهر وألم

...
باسم الزعارير
الخليل / غزة - أحمد المصري

أن تعيش في سجون الاحتلال وعتمتها سبعة مواسم من شهر رمضان، يعني تجرعك لقهر وألم لا تحتمله الجبال الراسيات، وشوق ملتهب مكسورة أوصاله بجدران الزنزانة السميكة وقضبانها الحديدية الصلبة.

وأجواءٌ قلبيةٌ ملبدة بغيومٍ سوداء كلما دق موعد تناول السحور، أو علا آذان الإفطار، ورحلة آلام لا ينقطع حبل مسيرها مع أي حدث في أجواء الشهر العامرة، بما تُثيره من نبش الذاكرة وفقدان الطقوس الأسرية الجامعة.

أيام وليالٍ طوال وقعها لا يفسره على حقيقته إلا من تذوقه حقيقة، وهو ما حمل "فلسطين" وعبر زاوية "في القلب"، لاستضافة النائب في المجلس التشريعي من مدينة الخليل باسم الزعارير ليروي تجربة الوجع والقسوة.

عن سبعة مواسم من الشهر الفضيل قضاها من عمره في سجون الاحتلال يقول الزعارير: إن رحلة الألم كان يقرع جرسها في قلبه قبل أن يبدأ فعليًا عمر الشهر وبداية الصوم، بما تنبش من ذكريات لأجواء عن هذه الأيام والتي يتخللها غالبا التسوق برفقة أفراد العائلة.

ومع بدء اليوم الأول لرمضان يشير إلى أن الذاكرة وبفعل لا إرادي تبدأ بالانتعاش كلما تسحر أو أفطر، بل وإن أدى الأسرى في غرفتهم أي حركة، أو جرى أي حدث كان، ليتم ربطه بالأجواء التي كانت تجري داخل بيت الأسرة والعائلة الكبيرة.

ويستذكر بقوله: "كل شيء في لحظات شهر رمضان يقع وقعها على قلب الأسير كالرصاصة، حيث يعيش في واقع مفروض عليه قسرا، يحرمه من الأهل ورؤيتهم ومشاركتهم عبادة الصيام لذلك تظل نفسه في شوق وتنزع إلى الانطواء والحزن بل ويشعر بالقهر بكل ألوانه".

وفي وجه آخر من أوجه المعاناة يراه الزعارير فيما يتعلق من حرمانه لزيارة المساجد وصلاة التراويح داخل المسجد الأقصى والذي يشد الرحال إليه في هذا الشهر الفضيل، فيما ويجد الأسير نفسه في صلاة مع عدد قليل من زملائه داخل زنزانته الضيقة.

وفي قسوة إضافية على بوابة أيام شهر رمضان، لا يجد الأسير في سجنه إلا طعامًـا قليلًا يفتقر للفوائد الصحية، وهو طعام لا يمكن أن يُغيث إنسانــــًا صائمـًا، ولا يمكن أن يجري مقارنة ما بينه وبين طعام البيت الذي يبقى يشتهيه الأسير مع كل مائدة يجلس عليها سواء كان سحورًا أم افطارًا.

ويلفت إلى أن شهر رمضان بما يشكل من عصف لذاكرة الأسير في كل موسم، وما يفقد من لمة ذويه وأحبائه، والحرمان من الطعام الجيد، تصبح أيامه ولياليه طويلة للغاية، ويشكل حالة مضاعفة من المعاناة والألم والقسوة.

ويجد الأسير ورغم المعركة القاسية في هذه الأحوال، ما يسانده ويروّح عنه، بما يصنعه الأسرى من تعاون وتكاتف بينهم، وتقسيم أنفسهم للجان خاصة منها ما يعمل لإعداد السحور والإفطار، وأخرى للنظافة، والثقافة التي تقوم بإعداد الدروس والمواعظ ضمن برنامج متكامل يغطي مواضيع كثيرة تكون غالبًا بعد الصلوات وأثناء صلاة التراويح.

ويذكر أن الأسرى أيضًا وفي محاولة للتغلب على الواقع المعيشي وما تحدثه قسوة غياب الأهل عن الأسير ينشغلون بقراءة القرآن، وقيام الليل، والمطالعة، والقيام ببعض النشاط الرياضي، ويتجلى ذلك بأجمل صوره حينما يكون عدد من القيادات والأكاديميين والدعاة والمشايخ مجتمعين إذ لا تتاح هذه الحالة خارج السجون بسبب الملاحقة والاعتقال.