نضطر أحيانا للاستشهاد بما كتبناه حتى لو كان ذلك قبل ربع قرن؛ لأن المناسبة تتطلب ذلك والمقام يفرض نفسه، فمن يستغربون ويزبدون غضبًا على مواقف سياسية عربية تتسم بالتخلي عن فلسطين في عام 2018 قد لا يعرفون أن هذا ليس طارئا، وفي كتابي الاستشراق والوعي السالب قدمت نماذج لشعراء ومثقفين وساسة، امتدحوا الاستعمار قبل قرن من الآن، واحد الشعراء كتب عام 1917 وهو عام وعد بلفور قصيدة يرحب فيها بالإنجليز، يقول في مطلعها:
بلاد التايمز قد فزتم
وأرض القدس شرفتم
فأهلا حيثما جئتم
وهناك مثقفون في العالم العربي وفي ذروة الاحتدام القومي أصدروا مؤلفات في مديح الإنجليز والفرنسيين، منهم على سبيل المثال حافظ عفيفي باشا وأمين المميز، لكن لا قصيدة الشاعر الذي لم يبصر أبعد من أنفه ولا تلك الكتب حالت دون استمرار حروب الاستقلال، ومرّت ثورة 1919 المصرية وثورة 1920 العراقية على تلك الكتب ولم تتعثر بها.
إن للتاريخ دائما وجهين، والمواقف ليست شيطانية أو ملائكية فقط، لكن منها ما هو مضاد للتاريخ بحيث تكنسه الرياح، ومنها ما هو حليف للبشرية ومنظومة قيمها التي كدحت آلاف السنين لترسيخها.
وهناك دائما بوليفيا مقابل غواتيمالا, وسمسار دم مقابل وطني تحول موقفه إلى تراجيديا وقدر ولم يتردد في دفع الثمن!
ما يحدث الآن حدث دائما، في تاريخنا العربي منذ استغاث امرؤ القيس بقيصر الروم ضد أبناء عمومته وأهداه القيصر ثوبا منقعا في السم، ما إن ارتداه حتى تقرح جلده وتقيح ومات غريبا في جبل عسيب.
وما من أمة في التاريخ لم تعلق بها شوائب لكنها كانت تطردها كما طرد الفرنسيون حكومة فيشي والمارشال بيتان، الفارق بين اليوم والأمس هو الميديا والفضائيات التي تعيد نشر الخبر الواحد ألف مرة ومرة!