لا نعرف أي السنوات قد يكون رمضانُها الأخيرَ في حياتنا، لكننا نستطيع أن نتخيل الفارق الكبير في إقبالنا عليه عن أي رمضان عشناه من قبل، وهنا دعونا نتساءل عن السبب الذي يجعلنا كذلك، ولماذا نحن البشر دائمًا تجعلنا النهايات أكثر يقظةً وإدراكًا وكأننا نرى كل ما حولنا أول مرة؟
شاهدتُ فيلمًا قبل سنوات، مستوحىً من الأسطورة الإغريقية "سيزيف"، الذي عوقب على مكره وخداعه بدحرجة صخرة ضخمة على تل منحدر، وقبل أن يبلغ قمة التل في كل مرة تفلت الصخرة ويكون عليه أن يبدأ من جديد، لأنه ظل متمسكًا بمكره وخداعه.
الفكرة نفسها هي التي تدور في كل رمضان، أننا نحاول فعلًا، دون أن نصل إلى القمة، وهذا لسببٍ من اثنين: إما أننا نقوم بذلك بدافع "إسقاط" الفرض عنا وتنفيذ الواجب فحسب، أو أن عملنا ما زال ينقصه شيء أو تشوبه شائبة نعلمها، لكننا لم نقرر بعدُ أن نتخلى عنها من أجل الصيام، مسوّفين ذلك إلى ما هو قادم من فرص، لكن مع افتراضنا فعلًا أنه رمضاننا الأخير، وتوقعنا أنه لا فرص بعد ذلك؛ كلا السببين سيكونان في خبر كان، وسنجتهد لإلقاء أي شيء يعكر صفو صيامنا وراء ظهورنا إلى الأبد.
لذا إن عشنا تجربة الصيام كآخر مرة في حياتنا؛ فلاشك أننا سنتذوق رمضان مختلفًا، سنكتشف من حولنا تفاصيل لم نكن نلتفت إليها من قبل، وسنعيش تجربة الصيام كأننا نصوم أول مرة.