فلسطين أون لاين

​في خيام العودة.. نفحة من الوطن السليب يتنسمها المشتاقون

...
غزة - رنا الشرافي

إنه يوم الاثنين، وفي زيارة غير عادية، حضرت العمة جمانة الشيخ (34 عامًا)، من قرية برير قضاء غزة إلى منزل شقيقها حسام في مدينة غزة، لتمضي يومًا برفقة العائلة، التي لم تجد موضوعًا لتتبادل الحديث عنه أشهى من مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، والتي برغم ما حملته من دمٍ بفعل عدوان الاحتلال الإسرائيلي، فهي لا تزال تحمل "ريحة البلاد".

خيمتنا

"خلينا نشوف خيمتنا" قالتها جمانة بطريقة عفوية لم تقصد منها المعنى الحقيقي للعبارة، لكنها بدت متشوقة لرؤية تلك الخيمة في موقع ملكة على الحدود الشرقية من مدينة غزة والمحاذية للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، والتي تحمل اسم قرية "برير".

"حسام" انتبه لتلك اللمعة في عيني شقيقته وكأنها تحلم بتلك اللحظة التاريخية، خاصة أن الفرصة لم تسنح لها للمشاركة في مسيرات العودة، فرأى أن الفرصة مناسبة لأخذ العائلة في جولة بالسيارة إلى موقع ملكة والتقاط الصور من أمام "خيمة برير".

"الطريق إلى برير –الخيمة- كانت موحشة، وكأنني أذهب إلى الشجاعية للمرة الأولى، كل شيء بدا غريبا وكأني أراه للمرة الأولى"، تقول جمانة، مضيفة: "شعرت بالرهبة، لا أعلم لماذا؟ ولكنني شعرت بشعور غريب، وما إن بلغنا المكان حتى اقتادنا أخي إلى الخيمة التي دُوّن عليها اسم (برير)، وهناك هبطنا من السيارة والتقطنا الصور التذكارية، علّنا نعيد الكرة ذات يوم ولكن في برير القرية وليس من أمام خيمة".

وطن وغاز

وفي نفس المكان، ترزح هناك خيام أخرى تحمل أسماء قرى ومدن فلسطينية مهجرة منذ النكبة، ومن بينها خيمة حملت اسم "المجدل" والتي تُعدّ من أكبر وأقدم المدن الفلسطينية والتي أسسها الكنعانيون قبل آلاف السنين.

الشاب الفلسطيني محمد الحلبي في العقد الثاني من العمر هو ابن المجدل التي لم يرها قط، وكذلك والده لكن خريطتها محفورة في صدره بسبب حكايا جدَيه عنها، والتي كانت سبباً دفعه لزيارة خيمة المجدل علّه يتنسم هواء تلك البقعة الحبيبة والسليبة من الأرض، حتى وإن طغت على المكان رائحة الغاز المسيل للدموع الذي يطلقه جنود الاحتلال الإسرائيلي نحو الفلسطينيين.

نظرةٌ إلى "هربيا"

أما في مخيم العودة شمال قطاع غزة، تقف خيم حملت أسماء مدن وقرى هي الأقرب جغرافياً إلى البلدات الفلسطينية المهجرة، وهناك تقبع خيمة تحمل اسم بلدة "هربيا" وهي قرية تتبع قضاء غزة قبل عام 1948، وتقع على بعد 15 كيلومتر شمالاً.

تلك الخيمة تعلق بها قبل الثمانيني "أبو محمد الداعور"، والذي يطلب من أبنائه أن يصحبوه إليها بين الحين والآخر ليتنسم رائحة ديارٍ لم يبقَ له منها إلا بضع ذكريات وسيل من الحنين رغم تقدم العمر وهرم الجسد وتعب الذاكرة.

ابنه حسام (35 عامًا) يقول: "يذهب والدي إلى الخيمة باستمرار ليجلس أمام بابها، بجوار (دلّة) القهوة، ملقيا نظره الضعيف إلى البعيد.. لا أدري ماذا يرى، لكنه في كل مرة يجلس صامتاً لفترة من الزمن قبل أن يبدأ بالحديث عن ذكرياته في هربيا".