فلسطين أون لاين

​على الحدود.. صبيةٌ يثيرون الدهشة بشجاعتهم

...
غزة - مريم الشوبكي

"اليهود ما بيخوفوا"، قالها الصبية وهم يقفون على "تلّة" رملية عالية، يوجهون بصرهم حيث جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يتمترسون خلف الكثبان الرميلة على الحدودية الشرقية لمدينة غزة، لا خوف يعرف طريقًا لقلوب هؤلاء الصبية، ولا رصاص يهزهم.

أن يتملكك شيءٌ من الخوف أثناء وجودك في مخيم العودة من السير قُدما نحو نقطة الصفر أمر طبيعي، ولكن مجرد أن تمد بصرك، فتشاهد هؤلاء الصبية يذهبون هناك، فإنك تستمد منهم الشجاعة والقوة، لتجد نفسك تسير بشكل لا إرادي متجها نحوهم.

شواهد المكان

في مخيم العودة المُقام شرقي مدينة غزة، يتمتع الصبية الموجودون في هذا المكان الخطِر بجرأة مثيرة للدهشة، لقد صاروا من "شواهد المكان"، بل يمكن الجزم بأنهم خير دليل لأي زائر فهم يحفظون تفاصيل المنطقة.

ذو البشرة السمراء، وبضحكته التي كشفت عن أسنان ناصعة البياض، يقول عبد الله حلس (12 عامًا): "لا أخاف، كل يوم آتي إلى المكان، وأقف أمام السلك الشائك، علّقت عليه صور الشهداء والأسرى والعلم الفلسطيني".

ويضيف حلس الذي يسكن في حي الشجاعية: "في جمعة الكاوتشوك طلب مني الشباب جلب حبل لسحب السلك الشائك، ولمعرفتي الكاملة بالمكان تمكنت من تنفيذ المهمة، رُحت أبحث عن حبل وجئت به فربطه الشباب، وساعدتهم في سحب السلك".

الجمعة بالنسبة لـ"عبد الله" حدث تاريخي لا مجال لتفويته، فيه يقف فوق التلة منذ ساعات الصباح الباكر، ليجهز الكاوتشوك مع الشبان الثائرين، ويلتقط الحجارة الصغير ليقذفها بمقلاعه على جنود الاحتلال.

يوضح: "ربما يدي الصغيرة لا تستطيع قذف الحجارة لمسافات بعيدة، ولكن أشعر بالسعادة والفخر بأنني شاركت في المواجهات".

منظر الدماء جراء إطلاق الاحتلال الرصاص على المشاركين في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار، لا تخلو منه أي "جمعة"، بالقرب من "عبد الله" أُصيب العديد من الفتيان والشباب، وبعضهم شاهده بأم عينه واللحم يتدلى من قدمه أو حتى رأسه.

أعلق الصور

دوّى صوتٌ تبعه تطاير دخان أبيض حيث كنا نقف على "التلة"، على الفور انطلق صوت سيارة الإسعاف التي أسرعت متجهة نحو السلك الشائك، حمل مسعفوها فتاة وقعت في المكان وقدموا لها الإسعافات اللازمة.

واخترق صمت تلك اللحظة صوت "محمد"، الذي جاء للمكان ركضًا، كان يلهث ويحاول أن يجمع أنفاسه، ويردد "رموا علينا غاز"، ويقصد جنود الاحتلال، لأنه ذهب مع تلك الفتاة لكي يعلقا صور الشهداء والجرحى على السلك الشائك، فقابلهما الجنود بإطلاق قنابل الغاز عليهما.

ويقول محمد: "في البداية كنت أخاف المجيء إلى الحدود، ولكن في كل مرة كنت آتي إلى المكان، كان ينكسر شيء من الخوف في داخلي، حتى تلاشى بالمطلق، بل صرت أكثر شجاعة وأكثر جرأة، وأقف هنا على التلة لأغيظ الجنود".

وراهم بلادنا

أما أحمد حميد الذي وقف على التلة لأول مرة، يتحدث وقد علا الخجل وجنتيه: "بعد أن استأذنت من أمي وأبي بالقدوم إلى المخيم، شعرت بفرحة كبيرة وجئت مسرعا برفقة أخي، حيث إن بيتنا قريب جدا من هنا".

ويشير "أحمد" بيده الصغيرة نحو الجنود الذين يعتلون الكثبان الرميلة "هَيْ اليهود، وراهم بلادنا"، لا يحمل صفة لاجئ، ولكنه يعرف أن هذه الأراضي هي للاجئين، ويتمنى أن يعودوا إليها لكي يتمكن من زيارتها.

أطفال فلسطين يولدون في ميدان المعركة، يشبون على مشاهد الثوار وهم يتحركون ضد الاحتلال، بعد أن دفعهم حب وطنهم وحنينهم للعودة إلى قراهم وبلداتهم المهجرة، إلى مقاومته بالحجر والمقلاع والكاوتشوك، فلا رصاص ولا قنابل ولا قذائف تخيفهم.