لقد لاقت مسيرات العودة صدى إعلاميا كبيرا، وحرفت البوصلة تجاه حق العودة من جديد، فكيف استطاعت مسيرات العودة أن تعيد وهج القضية؟
لقد ألهبت مسيرات العودة قلوب اللاجئين، بل قلوب المواطنين بشكل عام، فجعلتهم يتوافدون أفواجا أفواجا تجاه الحدود، لا رادع لهم، ليس لديهم ما يخسرونه، لكن لديهم ما يحاربون من أجله.
لقد تفنن الفلسطينيون في طريقة مطالبتهم بحقوقهم، فاتخذوا من الحدود مكانا للرحلات والنزهات، بعضهم يتناولون طعام الغداء هناك، يصنعون المأكولات الشعبية مثل "السماقية، قلاية البندورة، الكعك..."، يقيمون في خيام العودة ويفترشون ذاكرتهم هناك، حيث الجلسة الفلسطينية، وأحاديث السمر.
تُقام الدحية الفلسطينية، وهي موروث شعبي بدوي ويشارك فيها الشباب والشيوخ أيضا. صارت الحدود مزارا بعد أن اعتقد العدو الصهيوني أنه قد نجح في عزلنا عن الأرض، وفصل بيننا. تقام الفعاليات الثقافية والشعبية على الحدود بشكل شبه يومي، محاضرات على الحدود، حيث يتلقى الطلبة الجامعيون محاضرة هناك قرب نسيم الوطن، ندوات تقام على الحدود، معارض للكتب، خيمات ثقافية، كل هذا يضع العالم تحت بند الدهشة، فكيف لهذا الشعب المحاصر أن يفعل كل هذا أمام الحدود، بين قنابل الغاز، وتغريدات الرصاص المنبعثة من فوهات الحقد بيد الاحتلال.
كل فعالية تقام على الحدود هي دعم لحق الشعب الفلسطيني، هي بند من بنود الإصرار على حق العودة، وعلى القائمين على دعم المسيرة، ودعم القضية الفلسطينية أن يفتحوا المجال للمبادرات الشبابية والمؤسساتية؛ لتعمل على دعم هذه المسيرة.
إن ما يحدث على الحدود الغزية يعتبر نقلة نوعية في استراتيجية المقاومة. نقف اليوم في بقعة مغايرة عن سابقتها، علينا أن نزيد حجم الضغط على المحتل، وعلى العالم بأسره، على مسيرات العودة أن تستمر كقوة ضاغطة، تصنع توترا عالميا، مطالبة بإنهاء هذا التوتر من خلال زيادة الضغط، وزيادة الفعاليات التي لا تقر لها عين الصهيوني.
لقد شكلت مظاهر التراث في مسيرات العودة إشارة مهمة للعالم، ووجهت رسالة أيضا، مفادها: كل شيء راسخ في الذاكرة، فلم ينس الفلسطيني أي شيء من تراثه، حتى مفتاح العودة المهترئ ما زال يتنقل بين أيدي الجيل على الحدود.
للفعاليات دور كبير في استمرار جذوة المسيرة، بما تحويه من رسائل، وما تقدمه للقضية، لا الشعب ينسى، ولا الأرض تُنسى، والفلسطيني لا يصاب بالكلل ولا الملل، فقد أبدع وأثبت للعالم أنه يختلف تماما عن الآخرين.