فلسطين أون لاين

85 عاماً سلبت "البرعي" ذاكرتها وحَفِظَت لها حلم العودة

...
أم نبيل البرعي
غزة - حنان مطير

على باب خيمة العودة الخاصة بقرية "دمرة"، سندت الحاجة أم نبيل البرعي التي بلغت 85 عاماً، ظهرها تقابل جهة الشرق التي غطّى أفقَها الرجالُ والنساء، الواقفين في صفٍ طويلٍ يلقون نظرةً طويلة بعد الحدود إلى أراضي آبائهم وأجدادهم في القرى المُهجّرة.

وبجوارها وضعت لوحةً كُتِب عليها "أنا راجع إلى قريتي "دِمرة"، وقد التفَّت حولها بناتُها وحفيداتُها اللواتي ارتدين الثوب الفلسطيني المطرز بخيوط الحرير.

لم تعرف الحاجة سبب دعوة بناتِها لها للقدوم والجلوس معهنّ أمام تلك الخيمة، فسنين عمرها الطويلة نالت من ذاكرتِها شيئاً كثيراً، لكنها حفِظت لها "حلم العودة" فبقي مغروساً في عقلِها، وحفظت لها أيضاً ذكريات الألم الذي عاصرته وعاشته جيداً حين أخرجتها العصابات الصهيونية عام 1948 من قريتها الجميلة الآمنة بالسلاح.

سألتها عن بلادِها، فبكَت ومسحت دموعها الغزيرة بوشاح صلاتِها الذي كانت ترتديه، قبل أن تتفوّه بكلمة، ثم تمالكت نفسها لتقول: "ساق الله على أيام البلاد، أيام الخير والعز والأمان، كان عمري 16 سنة، تزوّجت بوقت مبكّر لأن أمي توفيت قبل أن أراها".

ترفع يديها للسماء وتعود للبكاء من جديد: "حسبي الله على اليهود لمّا هجّرونا وقتلوا أقاربنا وأخرجونا من بلادنا، وتركونا نعيش في مخيمات للاجئين".

ثم تدعو الله أن تعود لبلادِها والحسرة والفرح يمتزجان بصوتِها: "يا ليتنا نعود لقريتنا دمرة، سنحتفل احتفالاً أضخم من العرس حينها".

وبجانبها تنصت حفيداتُها للحديث بتمعّنٍ وهنّ مَي ونجوى وملاك وفدوى، وقد أخبرت نجوى صحيفة "فلسطين" أنها تشعر بالثوب التراثي الذي تلبسه وهو ثوب جدّتها بالأصل أنه "أجمل من أجمل فستانٍ للشابات"، وفق وصفها.

وتقول: "لا أريد البقاء لآخر العمر في المخيّمات، ولا أحب أن يُطبع عليّ اسم لاجئ، بل أريد العودة، وقد جئت اليوم لأحقق شيئاً جميلاً داخلي يدفعني للتنقل في كل زاوية من جهة الشرق التي أمامي، وكأنني أرى دِمرة".

وتضيف: "إذا كان كل هذا الشوق في قلوبنا نحن الأحفاد ونحن لم نرَ بلادَنا المسلوبة على أرض الواقع بل سمعنا عنها فقط، فما هو شعور جدّتي التي رأت بعينيها القتل والتشريد والظلم على يد الاحتلال الإسرائيلي؟ إنها تشعر بالحسرة الشديدة".

وتتبع: "خطوط الزمان علّمت على وجهها، لكن ذلك لم يكن كافياً للمحتلّ والعالم لأن تعود لحقها وبلادِها التي عاشت فيها أجمل أيام العمر".