فلسطين أون لاين

​مسيرة العودة في عيون الإعلام الغربي

في الغرب حيث القوة الخفية لليهود تتحكم في أبرز مفاصل الحياة ومحطات التأثير وخاصة الإعلام بكل أنواعه -المسموع والمقروء والمرئي- لما للإعلام من قوةٍ جبارة في صناعة الأحداث أو تغيير مسارها، ولا يخرج عن سياق الرغبة الصهيونية إلا من فقه اليهود ومكائدهم فقهًا دقيقًا وعميقًا، وتمتع بالقوة الكافية في قول الحق، فسيطرة اليهود على المال والإعلام جعلهم يقلبون الحقائق ويقدمونها بالطريقة التي تخدمهم دون مراعاة لأي من معايير مهنية إعلامية.

فقد قدموا فلسطين للغرب على أنها "أرض بلا شعب" وأن الله أعطاهم هذه الأرض، وأنهم أحق بها من أي شعب آخر، وأخرجوا من كنانتهم كل سهامهم وأبرزها سلاح الدين ليتهموا المنكرين والمشككين بـ"معاداة السامية"، كما حصل مع روجيه جارودي المفكر الفرنسي المسلم الذي أنكر وفند الكثير من أكاذيب اليهود خاصة في المحرقة النازية التي يدعون تعرضهم لها في ألمانيا في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية"، وكما حدث مع ناعوم تشومسكي المفكر الأمريكي الذي يعارض السياسة الأمريكية وارتهانها لليهود.

وبالعودة إلى مسيرة العودة في عيون الإعلام الغربي، فلو تجولنا في الصحف الغربية ونظرنا كيف تناولت مسيرة العودة السلمية، سنجد أن أغلبها يتبنى الرواية الصهيونية جملة وتفصيلًا، مثل صحيفة "نيويورك تايمز" و"بي بي سي" وهي معاقل الليبراليّة الغربيّة الإعلاميّة، اختارت مصطلحات وكلمات غير دقيقة لوصف ما حدث بالفعل، وتجنبت في أسلوب تغطيتها إظهار الاعتداءات الإسرائيليّة على المسيرات، التي وصفتها بالمواجهات التي اندلعت بعد قيام الفلسطينيين برمي الحجارة ومحاولة اجتياز الحدود، وترجيح كفّة التغطية لصالح الرواية الإسرائيليّة.

"نيويورك تايمز" الأميركيّة على سبيل المثال، وصفت ما جرى يوم الجمعة بالصدام/المواجهة، وفي أخبار لاحقة بـ"اشتعال الحدود" و"جمعة العنف"، دون الإشارة إلى أن العنف الذي استعمل كان لقمع المسيرة السلميّة، موهمة القارئ أن العنف من الطرفين، وادّعت الصحيفة أن العنف اندلع بسبب قيام مجموعات فلسطينيّة صغيرة باستعمال العنف عند الحدود أثناء المسيرة مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الرد، وهو متناسق تمامًا مع الادعاء الإسرائيلي، دون الإشارة إلى أن قادة إسرائيليّين صرّحوا أكثر من مرة قبل المسيرة وهددوا باستعمال القوّة لقمع المسيرة.

بينما تساءلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن أحداث يوم الجمعة الماضي، ما الذي حصل عند حدود غزّة إسرائيل؟ "وأجابت" مواجهات خلّفت 16 قتيلًا فلسطينيًا ومئات الجرحى، وكان السطر الأول في الإجابة نقلًا عن ادّعاءات الجيش الإسرائيلي، التي أخذت معظم المساحة المخصصة للإجابة عن هذا التساؤل، وغاب أي تصريح أو مقابلة لشخصيّة فلسطينيّة للإجابة حول ما حصل، واكتفت "بي بي سي" في تغطيتها هذه بنقل تصريحات عن حماس دون نقل أي صوت من المنظمين أو المشاركين في المسيرة. وصحف ذكرت أن هؤلاء يدعون ويزعمون بأن لهم أرضًا في "إسرائيل". وصحف قالت بأن هذا الخروج بسبب الحصار وليس لأي رجوع، ويلقون اللوم فقط على رئيس السلطة محمود عباس والسلطة كسبب لهذا الحصار وليس (إسرائيل).

يبقى التأكيد على أنه رغم قلة عدد اليهود في العالم وخاصة اليهود الذين يدعمون (إسرائيل)، فلا يمكن إنكار جهدهم الدؤوب في خدمة مشروعهم الصهيوني، وهنا نتساءل: هل نجح المغضوب عليهم في إقناع الضالين بأن الذين أنزل عليهم الكتاب بالحق "إرهابيون"؟ وهل تجاوب الضالون مع أكاذيب المغضوب عليهم واتخذوا اليهود أربابًا من دون الله، أم أن المسألة لا تتعلق بقوة المغضوب عليهم بقدر ما هو ضعف أصحاب الحق المسلمين؟ أم أن المصالح ما بين المغضوب عليهم والضالين أقوى مما بين المسلمين والضالين؟